اللمعات | اللمعة الثامنة والعشرون | 468
(465-515)

إن اكلت منها، فالحديث الشريف (حتى يقتصّ للجماء من القَرناء)(2). يدل على أن الحيوانات التي تبقى ارواحها رغم فناء اجسادها لها جزاء وثواب يناسبها في دار البقاء. فعلى هذا يصح القول ان لحوم الحيوانات الحية حرام على المفترسات.
وكذا النمل موظف بجمع شتات القطع الصغيرة للنعم الإلهية وصيانتها من التلف والامتهان لئلا تداس تحت الاقدام، فضلاً عن جمعه جثث الحيوانان الصغيرة وكأنه موظف صحي.
وكذا الذبان لها وظائف – اهم مما ذكر – فهي مأمورة بتنظيف مالا يراه الانسان من جراثيم مرضية وتطهير المواد السامة. فهي ليست ناقلة للجراثيم، بل العكس تهلك تلك الجراثيم المضرة وتمحيها بمصها لها واكلها، وتحيل تلك المواد السامة الى مواد اخرى. فتحُول دون سريان كثير من الامراض، وتوقفها عند حدّها.
والدليل على أن الذبان موظفات صحيات، ومأمورات تنظيف وكيمياويات حاذقات، وان لوجودها حكمة الهية واسعة.. هو كثرتها المتناهية، اذ المواد النافعة والثمينة تكثر منها(1).
ايها الانسان الذي يقصد نفع ذاته وحده!
انظر الى فائدة واحدة للذباب تعود اليك فحسب مما سوى فوائده ومنافعه للحياة. وتخلّ عن عدائك له. فكما انه يورثك الانس والسلوان في الاغتراب والوحدة والانفراد، كذلك يوقظك من نوم الغفلة

-------------

(2) عن ابي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لتؤُّدن الحقوق الى اهلها يوم القيامة، حتى يقادَ للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) رواه مسلم برقم 2582 والترمذي 2535 (تحفة الأحوذي) وقال: في الباب عن ابي ذر و عبدالله بن أنيس. حديث ابي هريرة حديث حسن صحيح (ومعنى الجلحاء: أي التي لا قرن لها).
(1) ان الفقرة الآتية للصوفي الشهير (يونس أمره) لطيفة جداً في اشارتها الى مدى ما في جناح الذباب من خوارق وابداع، ومدى كون الذباب نفسه صنعة ربانية عظيمة: (حملت جناح ذباب على اربعين حمل، فعجزت الاربعون عن حملها وظلت مسطورة هكذا). – المؤلف.

لايوجد صوت