الكلمة الثانية:
ان اظهر شىء للإشعار بوجود شخص ما هو تكلمه، فهو أقوى أثر للدلالة عليه؛ اذ سماع كلام صادر من شخص ما، يثبت وجوده اثباتاً يفوق الف دليل، بل بدرجة الشهود. لذا فان هذه الآية تقول بمعناها الاشاري:
لو كان البحر مداداً لعدّ الكلام الإلهي الدال على وجوده سبحانه وتعالى وكانت الاشجار اقلاماً تكتب ذلك العدد، مانفد كلام الله. بمعنى أن ما يدل على الأحد الصمد – دلالة الكلام على المتكلم – لا يعدّ ولا يحصى ولا حدّ له، حتى لو كانت البحار مداداً له.
الكلمة الثالثة:
لما كان القرآن الكريم يرشد جميع الطبقات البشرية الى حقائق الإيمان، يكرر ظاهراً الحقيقة الواحدة بمقتضى تقريرها في القلوب وتثبيتها في أفكار العامة وإقناعهم.
لذا فهذه الآية الكريمة جواب ضمني لأهل العلم وعلماء اليهود من اهل الكتاب في ذلك الوقت، على اعتراضهم المجحف الظالم ظلماً بيناً على أُمية الرسول العظيم y وعلى قلة علمه.
فالآية تقول: ان تكرار المسائل الجليلة التي لكل منها قيمة الف مسألة وتتضمن الوفاً من الحقائق – كما هي في مسائل الاركان الايمانية – تكراراً معجزاً وبأساليب شتى، وان تكرار حقيقة واحدة وهي تتضمن كثيراً جداً من النتائج من حيث الفوائد المتنوعة، لإقرارها في قلوب الناس كافة ولاسيما العوام.. هذا التكرار الذي تقتضيه حكمٌ كثيرة – كالتقرير والاقناع والتحقيق – لايعدّ حصراً للكلام ولا هو نابع من قصور الذهن ولا من قلة البضاعة وقصر الباع، بل لو كانت البحار مداداً، وذوو الشعور كتاباً والنباتات اقلاماً، بل حتى الذرات لو كانت رؤوس اقلام وقامت كلها بعدّ كلمات الكلام الإلهي الازلي، ما نفدت ايضاً، لأن كل ماذكر من امور هي متناهية