يقال: ان الحديد يخرج من الارض ولا ينزل من السماء حتى يقال: (انزلنا). فلِمَ لم يقل القرآن الكريم: (اخرجنا) بدلاً عن (انزلنا) الذي لا يوافق الواقع ظاهراً؟
الجواب: ان القرآن الكريم قد قال كلمة (انزلنا) لأجل التنبيه الى جهة النعمة العظيمة التي ينطوي عليها الحديد والتي لها اهميتها في الحياة. فالقرآن الكريم لا يلفت الانظار الى مادة الحديد نفسها ليقول (اخرجنا) بل يقول (انزلنا) للتنبيه الى النعمة العظيمة التي في الحديد والى مدى حاجة البشر اليه. وحيث ان جهة النعمة لا تخرج من الاسفل الى الاعلى بل تأتي من خزينة الرحمة، وخزينة الرحمة بلا شك عالية وفي مرتبة رفيعة معنى، فلا بد ان النعمة تنزل من الاعلى الى الاسفل، وان مرتبة البشر المحتاج اليها في الاسفل، وان الإنعام هو فوق الحاجة. ولهذا فالتعبير الحق الصائب لورود النعمة من جهة الرحمة اسعافاً لحاجة البشر هو: (انزلنا) وليس (اخرجنا).
ولما كان الاخراج التدريجي يتم بيد البشر، فان كلمة (الاخراج) لا يُشعر جهة النعمة ولا يحسسها لانظار الغافلين.
نعم لو كانت مادة الحديد هي المرادة، فالتعبير يكون (الاخراج) باعتبار المكان المادي. ولكن صفات الحديد، والنعمة التي هي المعنى المقصود هنا، معنويتان؛ لذا لا يتوجه هذا المعنى الى المكان المادي، بل الى المرتبة المعنوية.
فالنعمة الآتية من خزينة الرحمة التي هي احدى تجليات مراتب سمو الرحمن ورفعته غير المتناهية تُرسل من اعلى مقام الى اسفل مرتبة بلاشك؛ لذا فالتعبير الحق لهذا هو: انزلنا. والقرآن الكريم ينبه البشر بهذا التعبير الى ان الحديد نعمة إلهية عظيمة. نعم، ان الحديد هو منشأ جميع الصناعات البشرية ومنبع جميع رقيها ومحور قوتها، فلاجل تذكير هذه النعمة العظمى يذكر القرآن بكل عظمة وهيبة وفي مقام الامتنان والإنعام قائلاً: ﴿وأنزلنا الحديدَ فيه بأسٌ شَديدٌ وَمَنافعُ للناس﴾(الحديد:25) كما يعبر عن اعظم معجزة لسيدنا داود عليه السلام