اللمعات | اللمعة الثامنة والعشرون | 481
(465-515)

قبل نزول القرآن، إلاّ ان القرآن يبين ان الحديد سيكون في المستقبل في صور تحير العقول سيراً في البحر والهواء والارض حتى انه يسخر الارض ويظهر قوة خارقة تهدد بالموت، وذلك بقوله تعالى ﴿فيه بأسٌ شَديدٌ﴾ مظهراً لمعة اعجاز في إخبار غيبي.
* * *
عندما طرق البحث عن النكتة السابقة انفتح الكلام حول هدهد سليمان. فيسأل احد اخواننا الذي يلح في السؤال(1): ان الهدهد يصف الخالق الكريم سبحانه بقوله ﴿يُخرِجُ الْخَبَء فِي السَّمٰوَاتِ وَالأَرضْ ﴾ (النمل:25) فما سبب ذكره في هذا المقام الجليل هذا الوصف الرقيق بالنسبة الى الاوصاف الجليلة؟.
الجواب: ان احدى مزايا الكلام البليغ هو ان يُشعر الكلامُ صنعةَ المتكلم التي ينشغل بها. فهدهد سليمان الذي يمثل عريف الطيور والحيوانات كالبدوي العارف الذي يكشف بالفراسة الشبيهة بالكرامة مواضع الماء الخفية في صحراء جزيرة العرب الشحيحة بالماء، فهو طير ميمون مأمور بايجاد الماء ويعمل عمل المهندس لدى سيدنا سليمان عليه السلام، فلذلك يُثبت بمقياس صنعته الدقيقة، كون الله معبوداً ومسجوداً له، باخراجه سبحانه ما خبىء في السماوات والارض، فيعرّف اثباته هذا بصنعته الدقيقة.
ألا ما أحسن رؤية الهدهد! اذ ليس من مقتضى فطرة ما تحت التراب من المعادن والنوى والبذور التي لا تحصى، ان تخرج من الاسفل الاعلى. لأن الاجسام الثقيلة التي لا روح لها ولا اختيار لا تصعد بنفسها الى الاعلى، وانما تسقط من الاعلى الى الاسفل. فاخراج جسم مخفي تحت التراب، من الاسفل الى الاعلى ونفض التراب الثقيل الجسيم من على كاهله الجامد لابد ان يكون بقدرة خارقة لا بذاته. فادرك الهدهد أخفى براهين كون الله تعالى معبوداً ومسجوداً له وكشفها بعارفيته ووجد أهم تلك البراهين بصنعته، والقرآن الحكيم منح اعجازاً بالتعبير عنه.
-------------

(1) هو (رأفت) الغيور في طرح الاسئلة والمتكاسل في كتابة الرسائل. – المؤلف.

لايوجد صوت