اللمعات | اللمعة الثامنة والعشرون | 482
(465-515)


(انزال الأنعام)
بِسْمِ اللهِ الرَّحمٰنِ الرَّحيمِ
﴿وَأنزلَ لكَم مِن الأنعامِ ثمانيةَ أزواجٍ يَخْلُقُكُم في بُطونِ اُمهاتِكُم خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلقٍ في ظُلُماتٍ ثَلثْ.. ﴾(الزمر:6)
ان هذه الآية الكريمة تتضمن النكتة نفسها التي بيناها في الآية الكريمة: ﴿وأنزلنا الحديدَ﴾ فهي تؤيدها وتتأيد بها في الوقت نفسه.
نعم، ان القرآن الكريم يقول في سورة الزمر: ﴿وَأنزلَ لكَم مِن الأنعامِ ثمانيةَ أزواجٍ﴾ ولا يقول: (وخلق لكم من الانعام ثمانية ازواج) وذلك للإفادة بان ثمانية ازواج من الحيوانات المباركة قد انزلت لكم وارسلت اليكم من خزينة الرحمة الإلهية وكأنها مرسلة من الجنة، لان تلك الحيوانات المباركة نعمة بجميع جهاتها للبشرية كافة. فمن أشعارها واوبارها يستفيد البدو في حلهم وترحالهم، ومنها تنسج الملابس، ومن لحومها تهيأ ألذّ المأكولات، ومن ألبانها تستخرج أطيب الاطعمة، ومن جلودها تصنع الاحذية والنعال وغيرها من المواد النافعة، حتى ان روثها تكون رزقاً للنباتات ووقوداً للانسان. فكأن تلك الحيوانات المباركة قد تجسمت واصبحت النعمة بعينها والرحمة بنفسها. ولهذا اُطلق عليها اسم (الأنعام) مثلما اطلق على المطر اسم (الرحمة) فكأن الرحمة قد تجسمت مطراً والنعمة تجسدت في صور شتى من اشكال المعزى والضأن والبقر والجاموس والابل.
وعلى الرغم من ان موادها الجسمانية تُخلق في الارض، فان صفة النعمة ومعنى الرحمة قد غلبتا واستحوذتا على مادتها، فعبر القرآن عنها بـ(انزلنا) الذي يفيد: ان الخالق قد أنزل هذه الحيوانات المباركة من خزينة الرحمة مباشرة، أي ان الخالق الرحيم قد ارسلها من مرتبة رحمته الرفيعة، ومن جنته المعنوية العالية، هدية الى وجه الارض بلا وساطة.

لايوجد صوت