فخطر على قلب ذلك السعيد القديم الممخض بالجروح - ما في مكتوبات (الامام الرباني) من أمره له غيباً: (وحِّد القبلة)(1) اي ان الاستاذ الحقيقي انما هو القرآن ليس إلاّ، وان توحيد القبلة انما يكون باستاذية القرآن فقط، فشرع بارشاد من ذلك الاستاذ القدسي بالسلوك بروحه وقلبه على أغرب وجه، واضطرته نفسه الامارة بشكوكها وشبهاتها الى المجاهدة المعنوية والعلمية.
وخلال سلوكه ذلك المسلك ومعاناته في دفع الشكوك، قطع المقامات، وطالع مافيها، لا كما يفعله اهل الاستغراق مع غض الابصار، بل كما فعله الامام الغزالي(2) والامام الرباني وجلال الدين الرومي(3)، مع فتح أبصار القلب والروح والعقل، فسار فيها - اي في
--------------------------------------------------------------------------------------.
(1) الامام الرباني: هو احمد بن عبد الاحد السرهندي الفاروقي (971- 1034هـ) الملقب بحق (مجدد الالف الثاني) برع في علوم عصره، وجمع معها تربية الروح وتهذيب النفس والاخلاص لله وحضور القلب، رفض المناصب التي عرضت عليه، قاوم فتنة (الملك اكبر) التي كادت ان تمحق الاسلام. وفّقه المولى العزيز الى صرف الدولة المغولية القوية من الالحاد والبرهمية الى احتضان الاسلام بما بث من نظام البيعة والاخوة والارشاد بين الناس، طهر معين التصوف من الاكدار، تنامت دعوته في القارة الهندية حتى ظهر من ثمارها الملك الصالح (اورنك زيب) فانتصر المسلمون في زمانه وهان الكفار. انتشرت طريقته (النقشبندية) في ارجاء العالم الاسلامي بوساطة العلامة خالد الشهرزوري المشهور بمولانا خالد (1192 - 1243هـ). له مؤلفات عديدة اشهرها (مكتوبات) ترجمها الى العربية محمد مراد في مجلدين، وسمّاها (الدرر المكنونات) والعبارة المذكورة في المكتوب الخامس والسبعين من المجلد الاول، وهي: (.. ولكن لابد من ان تراعي شرطاً واحداً وهو: توحيد قبلة التوجه...).
(2) الامام الغزالي: (450 - 505 هـ) ابو حامد محمد بن محمد بن محمد بن احمد الغزالي، فقيه ومتكلم وفيلسوف وصوفي ومصلح ديني واجتماعي، وصاحب رسالة روحية، كان لها اثرها في الحياة الاسلامية. ولد بطوس من اعمال خراسان، ودرس علوم الفقهاء وعلم الكلام على امام الحرمين، وعلوم الفلاسفة وبخاصة الفارابي وابن سينا وعلوم الباطنية، فلم يجد في هذه العلوم مايشبع حاجة عقله الى اليقين ولا ما يرضي رغبة قلبه في السعادة واشتغل بالتدريس في المدرسة النظامية وارتحل الى بلاد كثيرة منها دمشق وبيت المقدس والقاهرة والاسكندرية ومكة والمدينة. ومن مصنفاته (احياء علوم الدين) و (تهافت الفلاسفة) و (المنقذ من الضلال).
(3) مولانا الرومي: (604- 672هـ)(1207- 1273م) عالم بفقه الحنفية والخلاف وانواع العلوم، ثم متصوف صاحب (المثنوي) المشهور بالفارسية المستغني عن التعريف في ستة وعشرين الف بيت،