القربة - والمناسبة بعدم المناسبة(1) - فما ألطف مناسبة من لايتناهى في فقره وعجزه، مع من لانهاية لغناه وقدرته وعزته وعظمته!.
فسبحان مَن ادرج نهاية اللطف في نهاية العظمة، وغاية الرأفة في غاية الجبروت، وجَمعَ نهاية القُرب مع غاية البُعد. وآخى بين الذرات والشموس، فأظهر قدرته بجمع الأضداد! ..
فانظر كيف لاتُشغلهُ حشمة تدبير الارض والسموات عن لطافة تربية الهوام والحشرات، ولايعوقه تدبير البر والبحر عن ايجاد اصغر النحل والطير وعن احياء صغار السماك في اعماق البحور، ولاتزاحمه شدةُ عاصفات البر وحدّة غضب البحر عن كمال لطفه واحسانه الى اخفى واضعف واعجز واصغر حيوان ساكنٍ في اخفى مكان، متوكلاً تحت ظلمات كثافة البحر وغياهب امواجه وتفاقم ارتجاجاته، وظلمة الليل وظلمات سحابه..
فتبسم الرحمة في خلال غضب البحر وخلف وجهه العبوس القمطرير؛ اذ ينادي هذا البحر بنغماته الواسعة: ياعظيم، ياجليل، ياكبير، ياالله.. سبحانك ما اعظم كبرياءك. فيقابله ذلك الحيوان الصغير بترنّماته الخفية: يالطيف، ياكريم، يارزاق، يارحيم، ياالله.. سبحانك ما الطف احسانك. ففي اقتران هذين الذِكرين، وامتزاج هذين التسبيحين حِشمةٌ لطيفة ولطافة محتشمة وعبودية عالية للواحد الاحد الصمد جل جلاله وعمّ نواله..
اعلم! ان الاهم الألزم بعد علوم الايمان، انما هو العمل الصالح؛ اذ القرآن الحكيم يقول على الدوام: ﴿الذينَ آمنوا وعملوا الصالحات﴾.
نعم هذا العمر القصير لايكفي الاّ لما هو أهمّ.. واما العلوم الكونية المأخوذة من الاجانب فمضرة(1)؛ الا للضرورة وللحاجات وللصنعة واستراحة البشر..
---------------
(1) أي مع عدم المناسبة.