ﻤﺜـﻨـوﻯ نورية | ذيل الحبة | 234
(232-245)

الشرق فيهرول مغرباً. ولو كُشِفَ عن وجهك غطاءُ الغفلة لرأيتك تسرع في بيداء خالية يابسة لسراب وعذاب، لا لِعَذْبٍ وشراب..
اعلم! أن من عظيم علو القرآن واصدق دليل حقانيته:
محافَظَتهُ لكلِّ لوازمات التوحيد بمراتبه.. ومراعاتُهُ لموازنة الحقائق العالية الآلهية.. واشتماله على مقتضيات الاسماء الحسنى، والتناسب بينها.. وجمعهُ لشؤونات الربوبية والاُلوهية بكمال الموازنة. وهذه خاصيّةٌ ماوُجدَت قطُّ في أثر البشر وفي نتائج افكار اعاظم الانسان من الاولياء المارين الى الملكوت، والاشراقيين الذاهبين الى بواطن الامور، والروحانيين النافذين الى عالم الغيب. فانهم لايحيطون بالحقيقة المطلقة بانظارهم المقيدة، بل انما يشاهدون طَرفاً منها فيتشبثون به وينحبسون عليه ويتصرفون فيه بالافراط والتفريط.. فتختل الموازنة ويزول التناسبُ.
مَثلهم كمثل غوّاصين في البحر لكشف كنزٍ متزين ممتلء بما لايحصى من اصناف الجواهر، فبعضٌ صادف يدهُ ألماساً مستطيلاً مثلاً، فيحكمُ بأن الكنزَ عبارةٌ عن الماسٍ طويل، وإذا سمع من رفقائه وجود سائر الجواهر فيه يتخيلها فصوص ألماسه، وصادف آخرُ ياقوتا كروياً وآخر كهربا(1) مربعاً وهكذا. وكل واحد يعتقد مشهودَه جرثوم الكنز ومعظمه، ويزعم مسموعَه زوائده وتفرعاته، فتختل الموازنة ويزول التناسب، فيضطرون للتأويل والتصلف والتكلف حتى قد ينجرّون الى الانكار والتعطيل. ومَن تأمل في آثار الاشراقيين والمتصوفين المعتمدين على مشهوداتهم بلاتوزين بميزان السُّنة لم يتردد فيما قلت.

-------------------------

(1) حجر كريم مشهور، وهو صمغ شجرة اذا حكّ صار يجذب التبن وغيره.

لايوجد صوت