وخنت في الامانة دخلت تحت ﴿وقَدْ خَابَ مَنْ دَسّيها﴾(الشمس:10) اذ الامانة التي تدهشتْ من حملها السموات والارض والجبال هي (أنا) من هذه الجهة، اذ منها يتولد الشرك والشرور والضلالات، اذ اذا تستَّر (أنا) عنك غلُظ، حتى صار حبلاً بلع وجودك فصار كلك أنا. ثم استغلظ بانانية النوع والاستناد به فيصير شيطانا يبارز امر صانعه. ثم يقيس الناس، ثم الاسباب على نفسه فيقع في شرك عظيم.. ففي هذا الوجه لو ارسلت عينك وفتحت كل الآفاق انغلق في وجهك، برجوع عينك الى نفسك؛ اذ ترى كلَّ شئ بلون ما في نفسك من (أنا). ولونُه في ذاته - في هذا الوجه - الشرك والتعطيل، ولو مُلئت الآفاق آياتٍ باهرةً، وبقي في (أنا) نقطة مظلمة طمَّت على الآيات .
مسألة مهمة : وهي ان (أنا) له وجهان: وجه اخذته النبوة، ووجه اخذته الفلسفة.
فالوجه الاول: منشأ العبودية المحضة؛ ماهيتُه حرفية، ووجوده تبعي، ومالكيته وهمية، وحقيقته فرضية، ووظيفته: صيرورتَه ميزاناً ومقياساً لفهم صفات الخالق. فالانبياء هكذا نظروا الى (أنا) فسلموا المُلكَ كلَّه لله. وحكموا بانه لا شريك له لا في ملكه ولا في ربوبيته ولا في الوهيته، وبِيَدِهِ مَقَاليدُ كُلّ شَئِ وَهُوَ عَلى كُلّ شَئٍ قَديرٍ. ومن هذا الوجه الشفاف الحي انبت الرحيم جلّ جلاله شجرة طوبى العبودية فاثمرت اغصانها المباركة في حديقة الكائنات، دانية قطوفها، متدلية ثمرات الانبياء والمرسلين والاولياء والصديقين المتلألئين كالنجوم في الظلمات.
واما الفلسفة فنظرت الى (أنا) بالمعنى الاسمي دون الحرفي، وبالوجود الاصلي دون التبعي، وزعموه مالكاً بالحقيقة، وظنوه حقيقة ثابتة، وتوهموا وظيفته تكمُّل ذاته بحب ذاته. فمن هنا تشعبت انواعُ الشرك، وعلى رأس (أنا) تنبتتْ شجرةُ زقوم الضلالة. فمن غصن (القوة البهيمية) اثمرت في انظار البشر باستحسان القوة الظالمة والحسن المرائي اصناماً عابدةً من جهة، ومعبودة من جهة.. ومن