حيث إن وشاية الحاسدين والخصماء، أدت بي ان أساق إلى مستشفى المجاذيب بأمر السلطان عبدالحميد - رحمه الله رحمة واسعة.(5)
حواره مع الطبيب :
أيها الطبيب المحترم! استمع أنت، فسأتكلم أنا. أعطيك دليلاً آخر على جنوني! وهو الجواب من دون سؤال! لاشك أنكم ترغبون في الاستماع إلى كلام مجنون غريب. إنني أطلب إجراء الكشف عليّ على صورة محاكمة، وليكن وجدانك هو الحكم. ومن العبث والفضول إلقاء درس في الطب إلى طبيب، ولكن واجب المريض أن يعينه في تشخيص العلة. فأرى من الضروري الاستماع اليّ كيلا يكذّبكم المستقبل. فخذوا هذه النقاط الأربع بنظر الاعتبار:
أولاها: إني ترعرعت في جبال كردستان، فعليكم ان تزنوا أحوالي التي لا تروق لكم بميزان كردستـان لا بميزان استانبول الحضاري الأنيق، فلو وزنتم بميزانها فقد وضعتم اذاً سداً مانعاً أمامنا نحو منبع سعادتنا استانبول، ويلزمكم سوق معظم الأكراد إلى مستشفى، ذلك لأن الأخلاق المفضـلة - في الأناضول - هي الجسارة، وعزة النفس، والثبات في الدين، وانطباق اللسـان على ما في القلب. بينما الظرافة والرقة وما شابهها من أمور المدنية تعدّ بالنسبة لهم مداهنة وتزلفاً.
ثانيتها: إن أحوالي وأخلاقي مخالفة للناس، كما هو الحال في ملابسي. فاتخذوا الأمر الواقع والحق محل النظر وموضع الاعتبار. ولا تتخذوا ما روّجه الزمان او العادات من أخلاق سيئة بتقليد الناس بعضهم بعضاً مقياساً لوزن الأمور.
إنني مسلم، ملتزم، ومكلّف بهذا الالتزام والوفاء به من حيث الإسلام. فعليّ ان أفكر فيما ينفع الأمة والدين والدولة ولا اقول ذلك القول الفاسد المميت: (مالي وهذا.. فليفكر فيه غيري).
ثالثتها: لقد أتى ومضى أشخاص نوادر، كل سبق زمانه، ولكن الناس حملوا أطوارهم على الجنون بادئ بدء، ثم على السحر والخوارق. ان التضاد الموجود بين هاتين النقطتـين إيماء واشارة إلى
-----------------------------
(5) الشعاعات / 542