السيرة الذاتية | الباب الثاني | 152
(150-183)

أنواعها، وسلوكه مسلك الزهد والورع، وانقلابه الفكري لدى سماعه بمؤامرة خبيثة تحاك حول القرآن الكريم وتوجهه الكلي نحوه، ثم جهاده الفعلي لإنقاذ دولة الخلافة آنذاك وما أعقبه من مكابداته النفسية في الأسر، وصحوته الروحية هناك وعودتها بعد فكاكه من الأسر ثم ما حدث في وجدانه من تحول عظيم بنذير الشيخوخة والتفكر بالموت وتوحيد قبلة توجّهه إلى القرآن الكريم بعد قراءته لكتاب الشيخ الگيلاني والإمام الرباني، وظهور بوادر تحول هائل في حياته حتى رغب في الإنزواء عن الناس فانسحب إلى تل يوشع ودخل مسلك التفكر والتأمل نافضاً ما علق في فكره من لوثات الفلسفة فكتب معاناته النفسية وانقلابه الروحي وانكشافه القلبي في (مثنويّه) حتى اكتمل سعيداً جديداً في طريق قرآني هو: العجز والفقر والشفقة والتفكر، علماً انه لم ينس واجبه في التبليغ في هذه الفترة إذ تصدى لدسائس الإنكليز وسعى سعياً حثيثاً في آنقرة لتوجيه دفة الانقلاب لصالح الإسلام إلا أنه شاهد علامات الدجال والسفياني على من بيده السلطة فتيقن انه لا يمكن المواجهة إلا بإعجاز القرآن فاعتزل أمور السياسة كلياً متوجهاِ إلى (وان) ليستعد لحمل الأمانة الثقيلة.. وهكذا نشاهد كيف أمرّته العناية الإلهية على مرحلة تلو الأخرى لينصرف (سعيد الجديد) كلياً إلى مهمة إنقاذ الإيمان.

1919م (1336هـ)
عودة الصحوة الروحية:
عندما رجعت من الأسر، كنت أسكن مع ابن أخي (عبد الرحمن) في قصر على قمة (چاملجة) في استانبول. ويمكن أن تعتبر هذه الحياة التي كنت أحياها حياة مثالية من الناحية الدنيوية بالنسبة لأمثالنا؛ ذلك لأنني قد نجوت من الأسر، وكانت وسائل النشر مفتوحة أمامي في (دار الحكمة الإسلامية) وبما يناسب مهنتي العلمية، وان الشهرة والصيت والإقبال عليّ تحفّ بي بدرجة لا استحقها، وأنا ساكن في اجمل بقعة من استانبول (چاملجة)، وكل شئ بالنسبة لي على ما يرام، حيث أن ابن أخي عبد الرحمن -رحمه الله- معي، وهو في منتهى الذكاء والفطنة، فهو تلميذ ومضحّ وخادم وكاتب معاً، حتى كنت أعدّه

لايوجد صوت