السيرة الذاتية | الباب الثاني | 155
(150-183)

الظهور على الأعداء بهذا النمط من العمل قليل، ولأن فيه شيئاً من التهوين لشأن الإسلام. فقد تركتُ ذلك المسلك. وأظهرت فعلاً: أن أسس الإسلام عريقة وغائرة إلى درجة لا تبلغها ابداً أعمق أسس الفلسفة، بل تظل سطحية تجاهها..
ففي المسلك السابق؛ تُظن الفلسفة عميقة، بينما الأحكام الإسلامية ظاهرية سطحية، لذا يُتشبث بأغصان الفلسفة للحفاظ على الإسلام. ولكن هيهات! أنّى لدساتير الفلسفة من بلوغ تلك الأحكام.(1)
إنتصار القلب:
وبينما كنت في هذه الحالة، إذا بحكمة القرآن المقدسة تسعفني، رحمةً من العلي القدير، وفضلاً وكرماً من عنده سبحانه. فغسلتْ أدران تلك المسائل الفلسفية، وطهرت روحي منها -كما هو مبين في كثير من الرسائل- إذ كان الظلام الروحي المنبثق من العلوم الفلسفية، يغرق روحي ويطمسها في الكائنات، فأينما كنت أتوجه بنظري في تلك المسائل فلا أرى نوراً ولا أجد قبساً، ولم أتمكن من التنفس والانشراح، حتى جاء نور التوحيد الساطع النابع من القرآن الكريم الذي يلقن (لا اله إلا هو) فمزّق ذلك الظلام وبدده. فانشرح صدري وتنفس بكل راحة واطمئنان.. ولكن النفس والشيطان، شنّا هجوماً عنيفاً على العقل والقلب وذلك بما أخذاه من تعليمات وتلقياه من دروس من أهل الضلالة والفلسفة. فبدأت المناظرة النفسية في هذا الهجوم حتى اختتمت ولله الحمد والمنّة بانتصار القلب وفوزه.(2)
نذير الشيخوخة وتذكّر الموت:
حينما أفقت على صبح المشيب، من نوم ليل الشباب، نظرت إلى نفسي متأملاً فيها، فوجدتها كأنها تنحدر سعياً من علٍ إلى سواء القبر، مثلما وصفها نيازي المصري:
-------------------------

(1) المكتوبات / 569
(2) اللمعات/ 366

لايوجد صوت