السيرة الذاتية | الباب الثاني | 157
(150-183)

ذلك النائي الغريب
وبكيتْ
همتُ وحدي تائهاً اطوي الطريق
وبعينيّ ينابيع الدموع
وبصدري حرقة الشوق
حار عقلي..!
كنت حينها في غربة مضنية، فشعرت بحزن يائس، واسف نادم، وحسرة ملتاعة على ما فات من العمر. صرخت من أعماقي اطلب إمداد العون، وضياء الرجاء.. واذا بالقرآن الحكيم المعجز البيان يمدّني، ويسعفني، ويفتح أمامي باب رجاء عظيم، ويمنحني نوراً ساطعاً من الأمل والرجاء يستطيع أن يزيل أضعاف أضعاف يأسي، ويمكنه ان يبدد تلك الظلمات القاتمة من حولي.(1)
نعم ! إنني مصداق لما قيل:
وعيني قد نامت بليلِ شبيبتي ولم تنتبه الاّ بصبح مَشيب
إذ اشد أوقات انتباهي في شبيبتي رأيته الآن اعمقَ طبقات نومي!...(2)
فحينما خالط بعض شعرات رأسي البياض الذي هو علامة الشيخوخة، وكانت أهوال الحرب العالمية الأولى وما خلفه الأسر لدى الروس من آثار عميقة في حياتي عمّقت فيّ نوم غفلة الشباب. وتلا ذلك استقبال رائع عند عودتي من الأسر إلى استانبول، سواء من قبل الخليفة او شيخ الإسلام، او القائد العام، او من قبل طلبة العلوم الشرعية، وما قوبلت به من تكريم وحفاوة اكثر مما استحق بكثير.. كل ذلك ولّد عندي حالة روحية فضلاً عن سكرة الشباب وغفلته، وعمّقتْ فيّ ذلك النوم اكثر، حتى تصورت معها أن الدنيا دائمة باقية، ورأيت نفسي في حالة عجيبة من الالتصاق بالدنيا كأنني لا أموت.
--------------------

(1) اللمعات/ 366
(2) المثنوي العربي النوري / 228

لايوجد صوت