السيرة الذاتية | الباب الثاني | 154
(150-183)

المعنوي.(1)
إزالة العوائق عن طريق القلب:
قد شاهدتُ ازدياد العلم الفلسفي في ازدياد المرض، كما رأيت ازدياد المرض في ازدياد العلم العقلي. فالأمراض المعنوية توصِلُ إلى علوم عقلية، كما أن العلوم العقلية تولّد امراضاً قلبية.(2) إذ حينما سار (سعيد الجديد) في طريق التأمل والتفكر، انقلبت تلك العلوم الأوروبية الفلسفية وفنونها التي كانت مستقرة إلى حدٍّ ما في أفكار (سعيد القديم) إلى أمراض قلبية، نشأت منها مصاعب ومعضلاتٌ كثيرة في تلك السياحة القلبية. فما كان من (سعيد الجديد) الاّ القيام بتمخيض فكره والعمل على نفضه من أدران الفلسفة المزخرفة ولوثات الحضارة السفيهة.(3) حيث أن سعيداً القديم والمفكرين، قد ارتضوا بقسم من دساتير الفلسفة البشرية، أي يقبلون شيئاً منها، ويبارزونها بأسلحتها، ويعدّون قسماً من دساتيرها كأنها العلوم الحديثة فيسلّمون بها. ولهذا لا يتمكنون من إعطاء الصورة الحقيقية للإسلام على تلك الصورة من العمل. إذ يطعّمون شجرة الإسلام بأغصان الحكمة التي يظنونها عميقة الجذور. وكأنهم بهذا يقوون الإسلام. ولكن لما كان

--------------------------

(1) اللمعات/ 366. لابد أن نذكّر "أن الفلسفة التي تهاجمها رسائل النور وتصفعها بصفعاتها القوية، هي الفلسفة المضرة وحدها، وليست الفلسفة على إطلاقها، ذلك لأن قسم الحكمة من الفلسفة التي تخدم الحياة الاجتماعية البشرية، وتعين الأخلاق والمثل الانسانية، وتمهّد السبل للرقي الصناعي، هي في وفاق ومصالحة مع القرآن الكريم، بل هي خادمة لحكمة القرآن، ولا تعارضها، ولا يسعها ذلك؛ لذا لا تتصدى رسائل النور لهذا القسم من الفلسفة.
أما القسم الثاني من الفلسفة، فكما اصبح وسيلة للتردي في الضلالة والإلحاد والسقوط في هاوية المستنقع الآسن للفلسفة الطبيعية، فإنه يسوق الانسان الى الغفلة والضلالة بالسفاهة واللهو. وحيث أنه يعارض بخوارقه التي هي كالسحر الحقائق المعجزة للقرآن الكريم، فان رسائل النور تتصدى لهذا القسم الضال من الفلسفة في اغلب أجزائها وذلك بنصبها موازين دقيقة، ودساتير رصينة، وبعقدها موازنات ومقايسات معززة ببراهين دامغة. فتصفعها بصفعاتها الشديدة، في حين انها لا تمس القسم السديد النافع من الفلسفة". الملاحق - أميرداغ 1/286.
(2) المثنوي العربي النوري/ 158
(3) اللمعات/ 176

لايوجد صوت