الذي يمنحها ظل الضياء المستفاد من الشمس فيعطي عينَها نوراً فتتلألأ به... ولكن (القطرة) لا ترى بذلك النور الا القمر، ولا تستطيع ان ترى به الشمس، بل يمكنها رؤية الشمس بإيمانها.
ثم ان هذا الفقير الذي يعتقد أن كل شئ منه تعالى مباشرة، ويعدّ الأسباب حجابا، ليكن هو (الرشحة)، فهي رشحة فقيرة في ذاتها، لا شئ لها كي تستند إليه وتعتمد عليه كالزهرة وليس لها لون كي تشاهد به، ولا تعرف أشياء أخرى كي تتوجه إليها. فلها صفاء خالص يخبئ مثال الشمس في بؤبؤ عينها...
[وبعد الإيضاح يختم البحث بالآتي:]
وهذا صديقكم الثالث الشبيه بـ(الرشحة) فقير، عديم اللون، يتبخر بسرعة بحرارة الشمس، يدع أنانيته ويمتطي البخارَ فيصعد إلى الجو، يلتهب ما فيه من مادة كثيفة بنار العشق، ينقلب بالضياء نوراً، يمسك بشعاع صادر من تجليات ذلك الضياء ويقترب منه.
فيا مثال الرشحة! ما دمت تؤدي وظيفة المرآة للشمس مباشرة، فكن أينما شئت من المراتب، فيمكنك ان تجد نافذة نظارة صافية تطل منها إلى عين الشمس بعين اليقين، فلا تعاني صعوبة في إسناد الآثار العجيبة للشمس إليها، إذ تستطيع ان تسند إليها أوصافها المهيبة بلا تردد، فلا يمكن ان يمسك يَدك ويكفّك شئٌ قطعاً عن إسناد الآثار المذهلة لسلطنتها الذاتية إليها. فلا يحيرك ضيق البرازخ ولا قيد القابليات ولا صغر المرايا، ولا يسوقك إلى خلاف الحقيقة شئ من ذلك لأنك صاف وخالص تنظر إليها مباشرة، ولذلك فقد أدركت أن ما يشاهَد في المظاهر ويُرى في المرايا ليس شمساً، وانما نوع من تجلياتها وضرب من انعكاساتها المتلونة. وان تلك الانعكاسات إنما هي دلائل وعناوين لها فحسب، ولكن لا يمكنها ان تُظهر آثار هيبتها جميعاً.
ففي هذا التمثيل الممتزج بالحقيقة يُسلَك إلى الكمال بطرق ثلاثة مختلفة متنوعة، فهم يتباينون في مزايا تلك الكمالات وفي تفاصيل مرتبة الشهود، الا انهم يتفقون في النتيجة، وفي الإذعان للحق، وفي التصديق