الجودُ والعطـاء
سميعُ الشكايا والدعاءِ لخـَلـْقِـه هو الراحمُ الشافي له الشكر والثناء
غفور الخطـايا والذنوبِ لعبـده هو الغفّار الرحيمُ له العفوُ والرضاء(2)
الواقعة التي حوّلت سعيد القديم إلى سعيد الجديد:
استمع إلى هذه الواقعة الخيالية التي تتمثل فيها حقيقةُ حياةِ الدنيا. تلك الواقعة التمثيلية(3) التي رآها (سعيد القديم) فحوّلته إلى (سعيد الجديد) وهي:
رأيتُ نفسي كأني أسافر في طريقٍ طويل، أي اُرسَل إلى مكانٍ بعيد، وكان سيدي قد خصّص لي مقدارَ ستين ليرة ذهبية يمنحني منها كلَّ يومٍ شيئاً، حتى دخلتُ إلى فندقٍ فيه ملهى فطفقتُ أبذّر ما أملك -وهي عشرُ ليرات- في ليلةٍ واحدة على مائدة القمار والسهر في سبيل الشهرة والإعجاب. فاصبحتُ وأنا صفر اليدين لم أتجّر بشئ، ولم آخذ شيئاً مما سأحتاج إليه في المكان الذي أقصده، فلم أوفّر لنفسي سوى الآلام والخطايا التي ترسبتْ من لذات غير مشروعة، وسوى الجروح والغصّات والآهات التي ترشحت من تلك السفاهات والسفالات.. وبينما أنا في هذه الحالة الكئيبة الحزينة البائسة إذ تمثّل أمامي رجلٌ. فقال:
- أنفقَت جميع رأسمالك سدىً، وصرتَ مستحقاً للعقاب، وستذهب إلى البلد الذي تريدُه خاويَ اليدين. فان كنتَ فطناً وذا بصيرة فبابُ التوبة مفتوحٌ لم يغلق بعدُ. فبإمكانك ان تدّخر نصف ما تحصل عليه، مما بقي لك من الليرات الخمس عشرة لتشتري بعضاً مما تحتاج إليه في ذلك المكان.. فاستشرتُ نفسي فإذا هي غير راضية بذلك، فقال الرجل:
- فادّخر إذن ثُلُثَه. ولكن وجدتُ نفسي غير راضية بهذا ايضاً. فقال:
- فادّخر ربُعَهَ، فرأيتُ نفسي لا تريد أن تَدَع العادةَ التي اُبتلَيت بها. فأدار الرجلُ رأسه وأدبر في حدّةٍ وغيظٍ ومضى في طريقه. ثم رأيتُ كأن
---------------------
(2) الكلمات/ 239-241
(3) اخترنا هذه الواقعة من بين الوقائع الثلاث التي يذكرها الأستاذ النورسي عن تحوله من سعيد القديم الى سعيد الجديد. ومن أراد التفصيل فليراجع المبحث الثاني من الكلمة الثالثة والعشرين.