السيرة الذاتية | الباب الثاني | 178
(150-183)

اللوحة الأولى (وهي لوحة تصور حقيقة الدنيا لدى أهل الغفلة)
لا تدعُني إلى الدنيا، فقد جئتها ورأيت الفساد.
إذ لما صارت الغفلة حجاباً، وسترت نور الحق..
رأيت الموجودات كلها، فانية مضرة
إن قلتَ: الوجود! فقد لبسته، ولكن كم عانيت من البلاء في العدم .
وان قلتَ: الحياة! فقد ذقتها، ولكن كم قاسيت العذاب.
إذ صار العقل عقاباً، والبقاء بلاءً
والعمر عين الهواء، والكمال عين الهباء.
والعمل عين الرياء، والأمل عين الألم.
والوصال عين الزوال، والدواء عين الداء.
والأنوار ظلمات، والأحبابُ أيتاماً.
والأصوات نعيات، والأحياء أموات.
وانقلبت العلوم أوهاماً، وفي الحِكَم ألف سقم.
وتحولت اللذائذ آلاماً، وفي الوجود ألف عدم.
وان قلتَ: الحبيب! فقد وجدته، آه! كم في الفراق من ألم.
اللوحة الثانية (وهي لوحة تشير إلى حقيقة الدنيا لدى أهل الهداية)
لما زالت الغفلة، أبصرت نور الحق عياناً.
واذا الوجود برهان ذاته، والحياة مرآة الحق..
واذا العقل مفتاح الكنز، والفناء باب البقاء.
وانطفأت لمعة الكمال، واشرقت شمس الجمال..
فصار الزوال عين الوصال، والألم عين اللذة.
والعمر هو العمل نفسه، والأبد عين العمر.
والظلامُ غلاف الضياء، وفي الموت حياة حقة..
وشاهدت الأشياء مؤنسة، والأصوات ذكراً..
فالموجودات كلها ذاكرات مسبحات.
ولقد وجدت الفقر كنز الغنى وأبصرت القوة في العجز.
إن وجدت الله فالأشياء كلها لك.
نعم ان كنت عبداً لمالك الملك، فملكه لك..
وان كنت عبداً لنفسك معجباً بها فابصر بلاءً وعبئاً بلا عدٍ وذقها عذاباً بلا حد

لايوجد صوت