فأولاً ابتدأت المشاجرةُ بيننا في هذه الكلمات المباركة وهي:
سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلاّ الله، والله اكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.. فوقع تحت كلٍ من هذه الحصون الحصينة ثلاثون حرباً. فكلُّ جملة، بل كل قيد في هذه الرسالة نتيجة مظفريةٍ لحرب لم يبق للعدوّ في شئ منها مطمَع وأدنى ممسك.. فما كتبتُ الاّ ما شاهدتُ.. بحيث لم يبق لنقيضه عندي إمكانٌ وهمي..(1)
وإنني اعترف وانادي بأعلى صوتي: باني عاجز، قاصر في الإفهام. لكن أقول تحديثاً بالنعمة واداء للأمانة بأني لا أخدعكم، إنما اكتب ما أتشاهد أو أتيقن عين اليقين أو علم اليقين.(2)
1922م (1339هـ)
نفور من الحياة الاجتماعية وانقلاب روحي:
بعدما نجوت من أسر الروس في الحرب العالمية الأولى، لبثت في استانبول لخدمة الدّين في (دار الحكمة الإسلامية) حوالي ثلاث سنوات. ولكن بإرشاد القرآن الكريم وبهمّة الشيخ الگيلاني، وبانتباهي بالشيخوخة، تولّد عندي سأم وملل من الحياة الحضارية في استانبول، وبت أنفر من حياتها الاجتماعية البهيجة، فساقني الشوق والحنين المسمى بـ(داء الغُربة) إلى بلدتي، إذ كنت أقول: ما دمت سأموت فلأمت إذن في بلدتي.(3)
نعم، هكذا جاءني النفور من تلك الحياة الدنيوية البهيجة في استانبول التي ظاهرها اللذة، من ذلك التأمل والنظر في شعيرات بيضاء لرأسي ولحيتي، ومن عدم الوفاء الذي بدر من الصديق الوفي المخلص.. حتى بدأت النفس بالبحث والتحري عن أذواق معنوية بدلا عما افتتنت به من أذواق، فطلبت نوراً وسلواناً في هذه الشيخوخة التي تبدو ثقيلة ومزعجة ومقيتة في نظر الغافلين. فلله الحمد والمنّة وألف شكر وشكر له سبحانه أن وفقني لوجدان تلك الأذواق الإيمانية الحقيقية الدائمة في (لا اله الاّ هو) وفي نور التوحيد بدلا من تلك الأذواق الدنيوية التي لا
-----------------------
(1) المثنوي العربي النوري/ 104
(2) المثنوي العربي النوري/ 318
(3) اللمعات/ 379