بالتهذيب والتنظيم والإيضاح عقائد إيمانية وعلم كلام جديد في غاية القوة والرصانة لردّ ضلالات أفكار هذا الزمان. بل يمكن لمن اختلط عقلهُ بقلبه، او إلتحق قلبهُ بعقله المتشتت في آفاق الكثرة ان يستنبط منها طريقة كسكة الحديد متينةً أمينة يسلك فيها تحت ارشاد القرآن الكريم..كيف لا، وكل ما في رسائلي من المحاسن ما هو الاّ من فيض القرآن..
ولله الحمد كان القرآن هو مرشدي وأستاذي في هذا الطريق.
نعم! مَن استمسكَ به استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها.(2)
.. لا تحسبن ان ما اكتبه شئ مضغته الأفكار والعقول. كلا! بل فيض أفيض على روحٍ مجروح وقلب مقروح، بالاستمداد من القرآن الكريم، ولا تظنه ايضاً شيئاً سيالاً تذوقه القلوب وهو يزول. كلا! بل أنوارٌ من حقائق ثابتة انعكست على عقلٍ عليلٍ وقلبٍ مريضٍ ونفسٍ عمي.
اني ما أدري كيف صار عقلي ممزوجاً بقلبي، فصرت خارجاً عن طريق أهل العقل من علماء السلف وعن سبيل أهل القلب من الصالحين، فان وافقتهما فبها ونعمت وان خالفتُ في كلامي أي السبيلين منهما فهو مردود عليّ.
ان ما يصادفك في المسائل من صورة البرهان والاستدلال ليس برهاناً حتى يقال: فيه نظر! بل مبادئ حدسية قيدت وعقدت واستحفظت بأنوار اليقين المفاضة من القرآن الكريم.(1)
انه يمكن ان يذهب الموفَّق من الظاهر إلى الحقيقة بلا مرور على برزخ الطريقة؛ وقد رأيتُ من القرآن طريقا إلى الحقيقة بدون الطريقة، أي المشهورة. وكذا رأيت طريقاً موصلاً إلى العلوم المقصودة بدون المرور على برزخ العلوم الآلية.(2)
عرض مراحل السير نحو سعيد الجديد:
كان سعيد القديم -قبل حوالي خمسين سنة- لزيادة اشتغاله بالعلوم العقلية والفلسفية يتحرى مسلكاً ومدخلاً للوصول إلى حقيقة الحقائق،
--------------------
(2) المثنوي العربي النوري/ 206 وانظر أيضًا ص 156
(1) المثنوي العربي النوري/ 318
(2) المثنوي العربي النوري/ 347