السيرة الذاتية | الباب الثاني | 171
(150-183)

فيتحمّق كما تَحمّقَ فرعونُ بـ﴿ياهَامَانُ اِبنِ لِي صَرحَاً﴾..(غافر:36)(2).
فعندما كان يسعى هذا السعيد الفقير إلى الله، للخروج من حالة (سعيد القديم) ارتج عقلي وقلبي وتدحرجا ضمن الحقائق ازاء إعصار معنوي رهيب، فقد شعرت كأنهما يتدحرجان هبوطا تارة من الثريا إلى الثرى وتارة صعدا من الثرى إلى الثريا، وذلك لانعدام المرشد، ولغرور النفس الأمارة.
فشاهدت حينئذ ان مسائل السنة النبوية الشريفة بل حتى ابسط آدابها، كل منها في حكم مؤشر البوصلة الذي يبين اتجاه الحركة في السفن. وكل منها في حكم مفتاح مصباح يضئ ما لا يحصر من الطرق المظلمة المضرة.
وبينما كنت أرى نفسي في تلك السياحة الروحية أرزح تحت ضغط مضايقات كثيرة وتحت أعباء أثقال هائلة، إذا بي أشعر بخفة كلما تتبعت مسائل السنة الشريفة المتعلقة بتلك الحالات، وكأنها كانت تحمل عني جميع الأثقال وترفع عن كاهلي تلك الأعباء. فكنت أنجو باستسلام تام للسنة من هموم التردد والوساوس مثل: (هل في هذا العمل مصلحة؟ ترى هل هو حق؟). وكنت أرى متى ما كففت يدي عن السنة تشتد موجات المضايقات وتكثر، والطرق المجهولة تتوعر وتغمض، والأحمال تثقل.. وأنا عاجز في غاية العجز ونظري قصير، والطريق مظلمة. بينما كنت اشعر متى ما اعتصمت بالسنة، وتمسكت بها، تتنور الطريق من أمامي، وتظهر كأنها طريق آمنة سالمة والأثقال تخف والعقبات تزول.
نعم، هكذا أحسست في تلك الفترة فصدقت حكم الإمام الرباني بالمشاهدة، حيث يقول : (بينما كنت اقطع المراتب في السير والسلوك الروحاني، رأيت ان أسطع ما في طبقات الأولياء، وأرقاهم وألطفهم وآمنهم أسلمهم هم أولئك الذين اتخذوا اتباع السنة الشريفة أساسا للطريقة، حتى كان الأولياء العوام لتلك الطبقة يظهرون اكثر بهاءاً واحتشاماً من الأولياء الخواص لسائر الطبقات).
نعم ان الإمام الرباني مجدد الألف الثاني ينطق بالحق، فالذي يتمسك

----------------

(2) المثنوي العربي النوري / 165

لايوجد صوت