السيرة الذاتية | الباب الثاني | 170
(150-183)

في كل مكان اجمل ضياء، وأعذب ماء وألطف نسيم.. وحينما سرحت نظري إلى الجهات كلها رأيت أن تلك المنازل النورانية - الشبيهة بالمصاعد - منتشرة في كل مكان. ولقد كنت شاهدت مثلها في الجهة الأخرى من الأرض في تلكما السياحتين السابقتين.. ولكن لم افهم منها شيئاً، بيد اني الآن افهم أن هذه المنازل إنما هي تجليات لآيات القرآن الحكيم.
وهكذا فالطريق الأول: هو طريق الضالين المشار إليه بـ﴿الضالين﴾ وهو مسلك الذين زلّوا إلى مفهوم (الطبيعة) وتبنّوا أفكار الطبيعيين.. وقد شعرتم مدى صعوبة الوصول إلى الحقيقة من خلال هذا السير الملئ بالمشكلات والعوائق.
والطريق الثاني: المشار إليه بـ﴿المغضوب عليهم﴾ فهو مسلك عَبَدة الأسباب والذين يحيلون الخلق والإيجاد إلى الوسائط، ويسندون إليها التأثير، ويريدون بلوغ حقيقة الحقائق، ومعرفة الله جل جلاله عن طريق العقل والفكر وحده، كالحكماء المشائين.
أما الطريق الثالث: المشار إليه بـ﴿الذين أنعمت عليهم﴾ فهو الصراط المستقيم والجادة النورانية لأهل القرآن، وهو أقصر الطرق وأسلمه أيسره، ومفتوح أمام الناس كافة ليسلكوه، وهو مسلك سماوي رحماني نوراني.(1)
السنة النبوية مصابيح الهدى :
إنّي شاهدت في سيري في الظلمات، السُّنَن السَّنية نجوماً ومصابيح، كلُّ سنَّةٍ، وكلُّ حَدٍ شرعي يتلمع بين ما لا يُحصر من الطرق المظلمة المضلّة. وبالانحراف عن السنة يصير المرء لعبة الشياطين، ومركَب الأوهام، ومعرض الأهوال، ومطية الأثقال - أمثال الجبال - التي تحملها السنةُ عنه لو اتّبعها.
وشاهدتُ السننَ كالحبالِ المتدلّية من السماء، من استمسك ولو بجزئي استَصعد واستسعد. ورأيتُ مَن خالَفَها واعتمدَ على العقل الدائر بين الناس، كمَن يريد ان يبلُغَ أسباب السموات بالوسائل الأرضية

------------------------

(1) الكلمات/ 647-650

لايوجد صوت