السيرة الذاتية | الباب الثاني | 167
(150-183)

وكانت حيرتي شديدة جداً، إذ في كل منهما خواص وجاذبية، لذا لم استطع ان اكتفي بواحد منهما.
وحينما كنت أتقلب في هذه الحيرة الشديدة.. إذا بخاطر رحماني من الله سبحانه وتعالى يخطر على قلبي ويهتف بي:
- ان بداية هذه الطرق جميعها.. ومنبع هذه الجداول كلها.. وشمس هذه الكواكب السيارة.. إنما هو القرآن الكريم فتوحيد القبلة الحقيقي إذن لا يكون الا في القرآن الكريم.. فالقرآن هو أسمى مرشد.. وأقدس أستاذ على الإطلاق.. ومنذ ذلك اليوم أقبلت على القرآن واعتصمت به واستمددت منه.. فاستعدادي الناقص قاصر من ان يرتشف حق الارتشاف فيض ذلك المرشد الحقيقي الذي هو كالنبع السلسبيل الباعث على الحياة، ولكن بفضل ذلك الفيض نفسه يمكننا ان نبين ذلك الفيض، وذلك السلسبيل لأهل القلوب واصحاب الأحوال، كلٌ حسب درجته. فـ(الكلمات) والأنوار المستقاة من القرآن الكريم (أي رسائل النور) إذن ليست مسائل علمية عقلية وحدها بل ايضاً مسائل قلبية، وروحية، وأحوال إيمانية.. فهي بمثابة علوم إلهية نفيسة ومعارف ربانية سامية.(2)
على عتبة سعيد الجديد
كنت في استانبول شهر رمضان المبارك، وكان آنئذٍ سعيد القديم -الذي انشغل بالفلسفة- على وشك ان ينقلب إلى سعيد الجديد.. في هذه الفترة بالذات وحينما كنت أتأمل في المسالك الثلاثة المشارة إليها في ختام سورة الفاتحة بـ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ رأيت تلك الحادثة الخيالية وهي حادثة أشبه ما تكون بالرؤيا. سجلتها في حينها في كتابي اللوامع(1) على صورة سياحة خيالية وبما يشبه النظم. وقد حان الآن وقت ذكر معناها وشرحها، حيث انها تسلط الأضواء على الحقيقة المذكورة.
كنت أرى نفسي وسط صحراء شاسعة عظيمة، وقد تلبدت السماء بسحب قاتمة مظلمة، الأنفاس تكاد تختنق على الأرض كافة. فلا نسيم

-----------------------

(2) المكتوبات/ 457 - 459
(1) المنشور ملحقاً بمجموعة "الكلمات"

لايوجد صوت