السيرة الذاتية | الباب الثاني | 166
(150-183)

جروح الأمة الإسلامية، والحال أنني كنت أشد مرضاً واحوج إلى العلاج من أي شخص آخر.. فالأولى للمريض أن يداوي نفسه قبل أن يداوي الآخرين.
نعم، هكذا خاطبني الشيخ: أنت مريض.. ابحث عن طبيب يداويك!..
قلت: كن أنت طبيبي أيها الشيخ!
وبدأت أقرأ ذلك الكتاب كأنه يخاطبني أنا بالذات.. كان شديد اللهجة يحطم غروري، فأجرى عمليات جراحية عميقة في نفسي.. فلم أتحمل.. لأني كنت اعتبر كلامه موجهاً إليّ.
نعم، هكذا قرأته إلى ما يقارب نصفه.. لم استطع إتمامه.. وضعت الكتاب في مكانه، ثم أحسست بعد ذلك بفترة بأن آلام الجراح قد ولّت وخلفت مكانها لذائذ روحية عجيبة.. عدت إليه، وأتممت قراءة كتاب (أستاذي الأول). واستفدت منه فوائد جليلة، وأمضيت معه ساعات طويلة أصغى إلى أوراده الطيبة ومناجاته الرقيقة.
ثم وجدت كتاب (مكتوبات) للإمام الفاروقي السرهندي، مجدد الألف الثاني فتفاءلت بالخير تفاؤلاً خالصاً، وفتحته، فوجدت فيه عجباً.. حيث ورد في رسالتين منه لفظة (ميرزا بديع الزمان) فأحسست كأنه يخاطبني باسمي، إذ كان اسم أبي ميرزا وكلتا الرسالتين كانتا موجهتين إلى ميرزا بديع الزمان فقلت: يا سبحان الله. ان هذا ليخاطبني أنا بالذات، لأن لقب سعيد القديم كان بديع الزمان، ومع أنني ما كنت أعلم أحداً قد اشتهر بهذا اللقب غير (الهمداني) الذي عاش في القرن الرابع الهجري. فلابد ان يكون هناك أحد غيره قد عاصر الإمام الرباني السرهندي وخوطب بهذا اللقب، ولابد ان حالته شبيهة بحالتي حتى وجدت دوائي بتلك الرسالتين.. والإمام الرباني يوصي مؤكداً في هاتين الرسالتين وفي رسائل أخرى أن: (وحّد القبلة) أي: اتبع اماماً ومرشداً واحداً ولا تنشغل بغيره!(1)
لم توافق هذه الوصية - آنذاك - استعدادي وأحوالي الروحية.. وأخذت أفكر ملياً: أيهما اتبع!. أأسير وراء هذا، أم أسير وراء ذاك؟ احترت كثيراً

------------------------

(1) نص العبارة: "وحيث قد طلبت الهمة من كمال الإلتفات فبشرى لك ترجع سالماً وغانماً، لكن لابد من أن تراعي شرطاً واحداً وهو: توحيد قبلة التوجه. فإن جعل قبلة التوجهِ متعددة إلقاءُ السالك نفسه الى التفرقة.ومن الأمثال المشهورة: أن المقيم في محل في كل محل والمتردد بين المحال ليس في محل أصلاً". المكتوب الخامس والسبعون من مكتوبات الامام الرباني 1/87 . ترجمة محمد مراد.

لايوجد صوت