السيرة الذاتية | الباب الثاني | 163
(150-183)

راحل مثلهم لا محالة..!
غادرت المقبرة وأنا احمل هذا الخيال المخيف، ودخلت الغرفة الصغيرة في محفل جامع أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه والتي كنت ادخلها مراراً في السابق فاستغرقت في التفكير في نفسي:
إنما أنا ضيف! وضيف من ثلاثة اوجه؛ إذ كما أنني ضيف في هذه الغرفة الصغيرة، فأنا ضيفٌ كذلك في استانبول، بل أنا ضيف في الدنيا وراحل عنها كذلك، وعلى المسافر ان يفكر في سبيله ودربه.
نعم، كما أنني سوف اخرج من هذه الغرفة واغادرها، فسوف اترك استانبول ذات يوم واغادرها، وسوف اخرج من الدنيا كذلك.
وهكذا جثمت على قلبي وفكري وأنا في هذه الحالة، حالة أليمة محزنة مكدّرة. فلا غرو إنني لا أترك احباباً قليلين وحدهم، بل سأفارق ايضاً آلاف الأحبة في استانبول، بل سأغادر استانبول الحبيبة نفسها وسأفترق عن مئات الآلاف من الأحبة كما افترق عن الدنيا الجميلة التي ابتلينا بها.
ذهبتُ إلى المكان المرتفع نفسه في المقبرة مرة أخرى، فبدا لي أهالي استانبول، جنائز يمشون قائمين مثلما يظهر الذين ماتوا شخوصاً متحركة في الأفلام السينمائية، فقد كنت أتردد إليها احياناً للعبرة! فقال لي خيالي: ما دام قسم من الراقدين في هذه المقبرة يمكن ان يظهروا متحركين كالشخوص السينمائية، ففكّر في هؤلاء الناس كذلك انهم سيدخلون هذه المقبرة حتماً، واعتبرهم داخلين فيها من الآن.
وبينما كنت أتقلب في تلك الحالة المحزنة المؤلمة إذا بنور من القرآن الحكيم وبإرشاد من الشيخ الگيلاني (قدس سرّه) يقلب تلك الحالة المحزنة ويحولها إلى حالة مفرحة مبهجة، ذات نشوة ولذة، حيث ذكّرني النور القادم من القرآن الكريم ونبهني إلى ما يأتي:
كان لك صديق أو صديقان من الضباط الأسرى عند أسرك في قوصترما في شمال شرقي روسيا، وكنتَ تعلم حتماً أنهما سيرجعان إلى استانبول. ولو خَيّرك أحدهما قائلاً: أتذهب إلى استانبول أم تريد ان تبقى هنا؟. فلا جرم انك كنت تختار الذهاب إلى استانبول لو كان لك مسكة من عقل، بفرح وسرور حيث ان تسعمائة وتسعة وتسعين من ألف حبيب وحبيب

لايوجد صوت