عنه(1) كذلك بمثابة أستاذ أنيس ورؤوف شفيق بكتابه (مكتوبات) فأصبحت راضياً كلياً وممتنّاً من دخولي المشيب، ومن عزوفي عن مظاهر الحضارة البراقة ومتعها الزائفة، ومن إنسلالي من الحياة الاجتماعية وانسحابي منها، فشكرت الله على ذلك كثيراً.(1)
أزمة روحية حادة:
ففي سنة 1339هـ مررت بأزمة روحية حادة، واعتراني قلق قلبي رهيب وانتابنى اضطراب فكرى مخيف. فاستمددت حينها من الشيخ الگيلاني مدداً قوياً جداً، فأمدني بهمته وبكتابه (فتوح الغيب) حتى جاوزت ذلك القلق والاضطراب.(2)
توحيد القبلة في القرآن:
هوت صفعات عنيفة قبل ثلاثين سنة على رأس (سعيد القديم) الغافل، ففكّر في قضية أن (الموت حق). ووجد نفسه غارقاً في الأوحال.. استنجد، وبحث عن طريق، وتحرى عن منقذ يأخذ بيده.. رأى السبل أمامه مختلفة.. حار في الأمر واخذ كتاب (فتوح الغيب) للشيخ عبد القادر الگيلاني رضي الله عنه وفتحه متفائلاً، فوجد أمامه العبارة الآتية:
أنت في دار الحكمة فاطلب طبيباً يداوي قلبك(3).. يا للعجب!. لقد كنت يومئذ عضواً في (دار الحكمة الإسلامية) وكأنما جئت إليها لأداوي
--------------------------
(1) الامام الرباني: هو احمد بن عبد الاحد السرهندي الفاروقي (971-1034هـ) الملقب بحق "مجدد الالف الثاني" برع في علوم عصره، وجمع معها تربية الروح وتهذيب النفس والإخلاص للّه وحضور القلب، رفض المناصب التي عرضت عليه، قاوم فتنة "الملك اكبر" التي كادت ان تمحق الإسلام. ووفّقه المولى العزيز الى صرف الدولة المغولية القوية من الإلحاد والبرهمية الى احتضان الإسلام بما بث من نظام البيعة والاخوة والارشاد بين الناس،طهر معين التصوف من الاكدار، تنامت دعوته في القارة الهندية حتى ظهر من ثمارها الملك الصالح "اورنك زيب" فانتصر المسلمون في زمانه وهان الكفار. انتشرت طريقته النقشبندية في ارجاء العالم الإسلامي بوساطة العلامة خالد الشهرزوري المشهور بمولانا خالد (1192-243هـ). له مؤلفات عديدة اشهرها "مكتوبات" ترجمها الى العربية محمد مراد في مجلدين.
(1) اللمعات/ 363
(2) اللمعة الثامنة.
(3) أصل العبارة: "يا عباد الله أنتم في دار الحكمة، لابد من الواسطة، اطلبوا من معبودكم طبيباً. يطبّ امراض قلوبكم مداوياً يداويكم..." وذلك في المجلس الثاني والستين ص 245 من كتاب الفتح الرباني الذي كان مطبوعاً في طبعاته الأولى مع كتاب فتوح الغيب في مجلد واحد موسوم بـ "فتوح الغيب".