السيرة الذاتية | الباب الثاني | 182
(150-183)

وعندما انقلب سعيد القديم إلى سعيد الجديد قبل ثلاثة وعشرين عاماً، سالكاً مسلك التفكر، بحثتُ عن سرّ (تفكرُ ساعةٍ خير من عبادة سنة)(2). وفي كل عام او عامين كان ذلك السرّ يغيّر من شكله فينتج إما رسالة عربية او رسالة تركية. وقد دامت تلك الحقيقة وهي تتلبّس الأشكال المختلفة ابتداء من رسالة (قطرة) العربية، وانتهاء إلى رسالة (الآية الكبرى)، حتى أخذت شكلها الدائمي في (الحزب النوري).(3) ومنذ عشرين عاماً، كلما تملّكني الضيق وأصاب الفكرَ والقلبَ إرهاقٌ، ولجأت إلى قراءة قسم من ذلك الحزب بتأمل، فإذا به يزيل ذلك الضيق والسآمة والإرهاق. وقد تكرر ألف مرة، ومع ذلك لم يترك أي اثر للملل والتعب -الناتجين عن الانشغال طوال خمس او ست ساعات من الليل- بقراءة سُدس ذلك الحزب قبيل الفجر. نعم ان هذه الحال تدوم حتى الآن.(4)
مسلك العجز والفقر والشفقة والتفكر في مثال (الرشحة)(5):
..سنفرض انفسنا نحن الثلاثة (الزهرة) و(القطرة) و(الرشحة). إذ لا يكفي ما افترضناه من شعور فيها، فنلحق بها عقولَنا ايضاً. أي ان ندرك ان تلك الثلاثة مثلما تستفيض من شمسها المادية، فنحن كذلك نستفيض من شمسنا المعنوية.
فأنت أيها الصديق الذي لا ينسى الدنيا ويوغل في الماديات وقد غلظتْ نفسُه وتكاثفت! كن (الزهرة). لأن استعدادك شبيه بها، إذ ان تلك الزهرة تأخذ لونا قد تحلل من ضياء الشمس وتمزج مثال الشمس من ذلك اللون، وتتلون به في صورة زاهية.
أما هذا الفيلسوف الذي درس في المدارس الحديثة، والمعتقد بالأسباب، والذي يشبهه (سعيد القديم)، فليكن (القطرة) العاشقة للقمر،

-------------------------

(2) قال الحافظ العراقي في تخريج الاحياء 1/58: حديث: تفكر ساعة خير من عبادة سنة: ابن حبان كتاب العظمة من حديث ابي هريرة بلفظ ستين سنة باسناد ضعيف ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات ورواه ابو المنصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث انس بلفظ ثمانين سنة واسناده ضعيف جداً، ورواه ابو الشيخ من قول ابن عباس بلفظ خير من قيام ليلة. ا هـ. وانظر كشف الخفاء 1/310 والاحاديث المشكلة ص 113.
(3) تأملات فكرية باللغة العربية على صورة مناجاة.
(4) الملاحق - قسطموني /207
(5) لكي يتمكن القارئ من الإلمام الكافي بهذا الموضوع فليراجع - ان شاء - كتاب الكلمات ص 379-386

لايوجد صوت