مهما بلغ من المراتب المعنوية، لانه لا يستطيع ازالة كل الشكوك والشبهات. ذلك لان نفس الشخص المعاند الأمارة بالسوء الذي يرغب في الدخول إلى حلقة الإيمان ستقول له: (ان ذلك الشخص زين لنا هذا بدهائه وبمستواه الرفيع واستطاع بهذا اقناعنا).. يقول هذا ويبقى الشك يساوره.
فلله الشكر الوف الوف المرات ففي طيّ تهمة القيام باستغلال الدين في السياسة قام القدر الالهي -الذي هو العدل المحض- طوال ثمان وعشرين سنة بمنعي من جعل الدين -دون علمي ودون ارادة مني- آلة لأي غرض شخصي، وذلك باستخدام الأيدي الظالمة للبشر في توجيه الصفعات لي وفي تذكيري وتنبيهي.. هذه الصفعات التي كانت عدلاً محضاً وتحذرني قائلة: إياك إياك! ان تجعل الحقائق الإيمانية آلة لشخصك، وذلك لكي يعلم المحتاجون إلى الحقائق ان الحقائق وحدها هي التي تتكلم، ولكي لا تبقى هناك أوهام النفس ودسائس الشيطان، بل لتخرس وتصمت.
هذا هو سر تأثير رسائل النور في اشعال الحماس في القلوب وفي الأرواح كالأمواج في البحار الواسعة. وهذا هو سر تأثيرها في القلوب وفي الأرواح وليس شيئاً غيره. ومع ان هناك آلافاً من العلماء سجلوا الحقائق التي تتحدث عنها رسائل النور في مئات الآلاف من الكتب، والتي هي أكثر بلاغة من رسائل النور، لم تستطع ايقاف الكفر البواح. فاذ كانت رسائل النور قد وفّقت إلى حدّ ما في مقارعة الكفر البواح تحت هذه الظروف القاسية، فقد كان هذا هو سر هذا النجاح.. ففي هذا الموضوع لا وجود لـ(سعيد)، ولا وجود لقابلية سعيد وقدرته، فالحقيقة هي التي تتحدث عن نفسها..نعم.. الحقيقة الإيمانية هي التي تتحدث.
وما دامت رسائل النور تؤثر في القلوب العطشى إلى الإيمان وإلى نور الحقائق، إذن لا يُفدّى بـ(سعيد) واحد بل بألف (سعيد وسعيد). وليكن كل ما قاسيته في غضون ثمانٍ وعشرين سنة من الأذى والمصائب حلالاً زلالاً. أما الذين ظلموني وجرجروني من مدينة إلى أخرى، والذين أرادوا ان يوصموني بمختلف التهم والاهانات، وأفردوا لي أماكن في الزنزانات فقد غفرتُ لهم ذلك وتنازلت عن حقوقي تجاههم.