السيرة الذاتية | الفصل الرابع | 539
(523-550)

الدرس كنت قد فهمت كل شئ، ولكن ما ان خرجت من غرفة الأستاذ حتى وجدت دماغي وكأنه قد مسح مسحاً فلم يبق فيه شئ.
سألني الأستاذ ذات مرة في نهاية الدرس عن مدى فهمي له ايضاً. فأجبته قائلا:
- لم افهم الدرس جيداً. فالتفت إلى ولطمني بلطف براحة يده قائلاً:
- انك فهمت الدرس كله، فيكفيك هذا القدر من الفهم. أخشى ان يدخل شئ في نفسك فتقول لقد تكاملت إذن وعندها لا تكون مؤهلاً للخدمة القرآنية. إذا لم تفهم الدرس اكثر من هذا فاكتف بهذا القدر منه. وساق مثلاً حول فهم الدرس وهو:
''إذا دخلت جماعة في بستان فانهم يتناولون من الفواكه كل بحسب ما تصل إليه قامته ويده. فالطويل يقطف من الأغصان العالية، والقصير يقطف من الأغصان الواطئة والقسم الآخر لا يقطفون ولكن يدوسون عليها بأقدامهم ويسحقونها فان كنت أنت ممن تشم رائحتها فحسب يكفيك ذلك. فاقنع بهذا واشكر الله عليه'')).(1)
كان يعلمنا كيف نفكر:
((كان الأستاذ يرتقي التلال التي تشرف على مدينة (إسپارطة) ليشاهد فيما حواليها من مناظر الفطرة ومشاهد الطبيعة، وكانت الطريق مكسوة بأشجار الفواكه وخاصة العنب. فيمسك الأستاذ بعنقود منها - دون ان يقطعه - ويعدّ حباته مبيناً لنا ما فيه من بدائع الصنعة الإلهية والإتقان الرباني فيقول:
- انظروا وتأملوا في حلويات القدرة الإلهية هذه..
فكان يعلمنا بهذا كيف نفكر في مخلوقات الله المبثوثة في معرض الله.. وهكذا كنا نتلقى دروساً إيمانية في التدبر وفق منهج القراءة في كتاب الكون المفتوح أمامنا)).(2)
-------------------------

(1) ذكريات/73 Son Şahitler 3/72 من بيرام يوكسل
(2) ذكريات/74 Son Şahitler 3/55 من بيرام يوكسل. يذكر الأستاذ في "الكلمات/337 الآتي: لقد أحصيتُ ذات يوم عناقيد ساق نحيفة لعنب متسلق -بغلظ اصبعين- تلك العناقيد التي هي معجزات الرحيم ذي الجمال في بستان كرمه. فكانت مائة وخمسة وخمسين عنقوداً. واحصيتُ حبّات عنقود واحد منها فكانت مائة وعشرين حبة. فتأملت وقلت: لو كانت هذه الساق الهزيلة خزانة ماء معسّل، وكانت تعطي ماءً باستمرار لما كانت تكفي أمام لفح الحرارة ما ترضعه لمئاتِ الحبات المملوءة من شراب سكر الرحمة. والحال أنها قد لا تنال الاّ رطوبة ضئيلة جداً، فيلزم ان يكون القائم بهذا العمل قادراً على كل شئ. فـ "سبحان من تَحيَّرُ في صنعه العقول". ويذكر في صفحة 606 منها إحصاءه لعدد أغصان شجرة اللوز وعدد فروعها بل حتى عدد ما في أزاهيرها من خيوط.

لايوجد صوت