كنت منشغلا بالقاء دروس في حقائق القرآن على طلابي في مدينة (وان) كانت حوادث (الشيخ سعيد)(2) تقلق بال المسؤولين في الدولة. وعلى الرغم من ارتيابهم من كل شخص، لم يمسوني بسوء، ولم يجدوا عليَّ حجة مادمت مستمراً في خدمة القرآن. ولكن ما أن قلت في نفسي: مالي وللآخرين! وفكرت في نفسي فحسب، وانسحبت الى جبل (أرك) لأنزوي في مغاراته الخربة، وأنجو بنفسي في الآخرة، اذا بهم يأخذوني من تلك المغارة وينفوني من ولاية شرقية الى أخرى غربية، الى (بوردور).
كان المسؤولون في هذه المدينة يراقبون المنفيين مراقبة شديدة، وكان على المنفيين اثبات وجودهم بحضورهم مساء كل يوم لدى الشرطة الا أنني وطلابي المخلصين أُستثنينا من هذا الامر ما دمت قائماً بخدمة القرآن، فلم أذهب لاثبات الحضور ولم أعرف أحداً من المسؤولين هناك. حتى أن الوالي شكا من عملنا هذا لدى (فوزي باشا)(1) عند قدومه الى المدينة، فأوصاه: (احترموه! لا تتعرضوا له!). ان الذي أنطقه بهذا الكلام هو كرامة العمل القرآني ليس الا، اذ حينما استولت عليَّ الرغبة في انقاذ نفسي واصلاح آخرتي، وفترت عن العمل للقرآن – مؤقتاً – جاءتني العقوبة بخلاف ما كنت أقصده وأتوقعه، أي نُفيتُ من (بوردور) الى منفي آخر.. الى (اسبارطة).
توليت هناك العمل للقرآن العظيم كذلك.. ولكن بعد مرور عشرين يوماً على الخدمة القرآنية كثرت عليَّ التنبيهات من بعض المتخوفين، حيث قالوا: ربما لا يحبذ مسؤولو هذه البلدة عملك هذا! فهلاَّ أخذت الامر بالتأني والتريث؟!.. سيطر عليَّ الاهتمام بخاصة نفسي
-----------------
(2) هو الشيخ سعيد المشهور بـ(ثيران) كردي من شيوخ الطريقة النقشبندية، كان جده من خلفاء مولانا خالد الشهرزوري، قاد ثورة في الاقاليم الشرقية في تركيا ضد السلطة الحاكمة لاتجاهما المعادي للدين. نشبت ثورته في 1/2/1925 وتم القضاء عليها في 15/4/1925 وقُدم الشيخ الى محكمة الثورة فاصدرت عليه وعلى سبع واربعين من مقربيه حكم الاعدام وتم تنفيذه عليهم في (دياربكر) في 29/6/1925.المترجم.
(1) المقصود المارشال فوزي ضاقماق الذي كان رئيس اركان الجيش آنذاك. – المترجم.