العبدُ فاعلاً له، والله سبحانه خَلَقَه فصار الانسان مستحقاً لتحمل مسؤولية تلك الجريمة غير المحدودة بعذاب غير محدود.
أما الحسنات فما دامت وجودية أصيلة، لا يكون الكسب الانساني والارادة الجزئية علة موجدة لها، فالانسان ليس فاعلاً حقيقياً لها. لأن نفس الانسان الأمارة بالسوء لا تميل الى الحسنات، بل الرحمة الإلهية هي التي تريدها، وقدرتُه سبحانه هي التي تخلقها. الا أن الانسان يمكن أن يكون مالكاً لتلك الحسنات بالإيمان وبالرغبة وبالنيّة. وأما بعَد تملكها فان تلك الحسنات هي بذاتها شكرٌ للنعم الإلهية غير المحدودة التي أسبغها الله سبحانه وتعالى على الانسان، وفي مقدمتها نعمة الوجود ونعمة الإيمان. أي أن تلك الحسنات شكرٌ للنعم السابقة، لذا فالجنة التي وعَدَها الله لعباده تُوهَب بفضل رحماني خالص، فهي وان كانت ظاهراً مكافأة للمؤمن الاّ أنها في حقيقيتها تفضلٌ منه سبحانه وتعالى.
إذن فالنفس الانسانية لكونها المسببة للسيئات فهي التي تستحق الجزاء. أما في الحسنات فلما كان السبب من الله سبحانه وكذلك العلة منه وامتلكها الانسان بالإيمان وحدَه فلا يمكنه أن يطالب بثوابها، بل يرجو الفضل منه سبحانه.
السؤال الثالث:
لما كانت السيئات تتعدد بالتجاوز والانتشار كما تبين فيما سبق، كان المفروض ان تُكتب كلُ سيئةٍ بألفٍ، أما الحسنات فلأنها ايجابية ووجودية فلا تتعدد مادياً، حيث أنها لا تحصل بايجاد العبد ولا برغبة النفس، فكان يجب ألاّ تُكتب، او تُكتَب حسنة واحدة. فلم تُكتب السيئةُ بمثلها والحسنةُ بعشرِ امثالها او أحياناً بألف؟.