اللمعات | اللمعة الثالثة عشرة | 145
(119-150)

لقد شاهدتُ مراراً بنفسي ان عشرةً في المائة من أهل الفساد يَغلِبون تسعين في المائة من أهل الصلاح. فكنت أحار في هذا الامر، ثم بامعان النظر فيه، فهمت يقيناً ان ذلك التغلب والسيطرة لم يك ناتجاً من قوة ذاتية ولا من قدرة اصيلة يمتلكها أهل الباطل، وانما من طريقتهم الفاسدة، وسفالتهم ودناءتهم، وعملهم التخريبي، واغتنامهم اختلاف أهل الحق والقاء الخلافات والحزازات فيما بينهم، واستغلال نقاط الضعف عندهم والنفث فيها، واثارة الغرائز الحيوانية والنفسانية والاغراض الشخصية عندهم، واستخدامهم الاستعدادات المضرّة التي هي كالمعادن الفاسدة الكامنة في سبيكة فطرة الانسان، والتربيت على فرعونية النفس باسم الشهرة والرتبة والنفوذ.. وخوف الناس من تخريباتهم الظالمة المدمّرة… وامثال هذه الدسائس الشيطانية يتغلبون بها على أهل الحق تغلباً مؤقتاً. ولكن هذا الانتصار الوقتي لهم لا قيمة له ولا أهمية أمام بشرى الله تعالى: ﴿والعاقِبَةُ للمتَقين﴾(الأعراف: 128) والسر الكامن في (الحقُ يعلو ولا يُعلى عليه). اذ يصبح سَبباً لدخولهم النار وفوز أهل الحق بالجنة.
ان ظهور الضعيف الهزيل في الضلالة بمظهر القوة واكتساب التافهين فيها شهرة وصيتاً، يسلكها كل أناني مُراءٍ مولَع بالشُهرة فيقوم بارهاب الآخرين والاعتداء عليهم واضرارهم، للحصول على منزلةٍ وكسبِ شهرة، فيقف في صف المعادين لأهل الحق ليسترعي انتباه الناس ويجلب انظارهم، وليذكروه باسنادهم اعمال التخريب اليه تلك التي لم تنشأ من قوة وقدرة ذاتية له بل من تركه الخير وتعطيله له. حتى سار مثلاً أن احد المغرمين بالشهرة قد لوّث المسجد الطاهر حتى يذكره الناس، وقد ذكروه فعلاً.. ولكن باللعنة، الاّ أن حبّه الشديد للشهرة زين له هذا الذكر اللعين فرآه حسناً.
فيا أيها الانسان المسكين المخلوق لعالم الخلود والمبتلى بهذه الدنيا الفانية! أمعن النظر في الآية الكريمة وانصت اليها: ﴿فَما بَكتْ عَليهم السمَاء والأرض﴾ (الدخان: 29) وانظر ماذا تفيد.. انها تعلن صراحة ان

لايوجد صوت