ليس في إنكار الكفار والضالين لحقيقة من الحقائق الإيمانية قوة، ولا في نفيهم لها سندٌ، ولا في اتفاقهم اهميةٌ، لانه نفيٌ. فالفٌ من النافين هم في حكم نافٍ واحد فقط. مثال ذلك:
اذا نَفى اهل استانبول جميعهم رؤيتهم للهلال في بداية رمضان المبارك، فان إثبات اثنين من الشهود، يُسقط قيمة إتفاق كل ذلك الجمع الغفير. فلا قيمة اذن في اتفاق الكفار الكثيرين ما دامت ماهيةُ الكفر والضلالة نفياً، وانكاراً، وجهلاً، وعدماً. ومن هنا يُرجح حُكمُ مؤمنين اثنين يستندان الى الشهود في المسائل الإيمانية الثابتة اثباتاً قاطعاً على إتفاق ما لا يحد من اهل الضلالة والانكار ويتغلب عليهم.
وسرّ هذه الحقيقة هو ما يأتي:
ان دعاوى النافين متعددة، برغم انها تبدو واحدة في الظاهر، إذ لا يتحد بعضها مع بعض الآخر كي يعززه ويشدّ من عضده. بينما دعاوى المثبتين تتحد وتتساند ويمدّ بعضها البعض الآخر ويقويه ويدعمه، فالذي لا يرى هلال رمضان في السماء يقول: ان الهلال في نظري غير موجود، وعندي غير موجود.. والآخر يقول مثله، فكلٌ منهم ينفي من زاوية نظره، وليس من واقع الحال، ومن الامر بذاته، لذا فاختلافُ نظرهم وتنوعُ الاسباب الداعية الى حَجب الرؤية، وتعدد موانع النظر لدى الاشخاص، يجعل دعاواهم متباينة ومختلفة لا تسند احداهما الاخرى.
اما المثبتون فلا يقول احدهم: الهلال موجود في نظري، او عندي، بل يقول: ان الهلال موجود فعلاً، وهو في السماء بذاته.. والمشاهدون جميعاً يصدّقونه في دعواه هذه، ويؤيدونه في الامر نفسه قائلين: الهلال موجود في واقع الحال.. أي ان جميع الدعاوى واحدة.
ولما كان نظر النافين مختلفاً، فقد اصبحت دعاواهم كذلك مختلفة، فلا يسري حُكمهم على الامر بذاته، لأنه لا يمكن اثبات النفي في الحقيقة، إذ يلزم الاحاطةُ. ومن هنا صارت من القواعد الاصولية أن (العَدَم المطلق لا يُثبَتُ إلاّ بمشكلات عظيمة).