أوَ تظن أن فقرنا ناجمٌ من زُهد الدين او من كسلٍ ناشيء من ترك الدنيا؟ انك مخطيء في ظنك أشدَّ الخطأ.. ألا ترى ان المجوس والبراهمة في الصين والهند والزنوج في افريقيا وامثالهم من الشعوب المغلوبة على أمرها والواقعة تحت سطوة اوروبا، هم أفقر منا حالاً.
أوَ لا ترى انه لا يبقى بأيدي المسلمين سوى ما يسدّ رَمَقَهم ويقيم أوَدَهم حيث يغصبه كفار اوروبا الظالمون منهم او يسرقه منافقو آسيا بما يحيكون من دسائس خبيثة.
ان كانت غايتكم من سَوق المؤمنين قسراً الى المدينة التي هي الدنية (أي بلا ميم) تسهيلاً لارادة دفة النظام وبسط الامن في ربوع المملكة، فاعلموا جيداً انكم على خطأ جسيم، اذ تسوقون الامة الى هاوية طريق فاسد. لان ادارة مائة من الفاسقين الفاسدين اخلاقياً والمرتابين في إعتقادهم وإيمانهم، وجعل الامن والنظام يسود فيما بينهم لهو أصعبُ بكثير من ادارة اُلوف من الصالحين المتقين ونشر الامن فيما بينهم.
وبناء على ما تقدم من الاسس فليس المسلمون بحاجة الى ترغيبهم وحثهم على حب الدنيا والحرص عليها، فلا يحصل الرقي والتقدم ولاينشر الامن والنظام في ربوع البلاد بهذا الاسلوب، بل هم بحاجة الى تنظيم مساعيهم، وبث الثقة فيما بينهم، وتسهيل وسائط التعاون فيما بينهم، ولاتتم هذه الامور الاّ باتباع الاوامر المقدسة في الدين، والثبات عليها، مع التزام التقوى من الله سبحانه وابتغاء مرضاته.
المذكرة الثامنة
يامَن لا يدرك مدى اللذة والسعادة في السعي والعمل.. ايها الكسلان! اعلم، ان الحق تبارك وتعالى قد ادرج لكمال كرمه جزاءَ الخدمة في الخدمة نفسها، وادمج ثوابَ العمل في العمل نفسه.