تأمل في وظائف اعضائك وحواسك، ترَ أن كلاً منها يجد لذائذ متنوعة اثناء قيامه بمهامه – في سبيل بقاء الشخص او النوع – فالخدمة نفسها، والوظيفةُ عينها تكون بمثابة ضربٍ من التلذذ والمتعة بالنسبة لها، بل يكون ترك الوظيفة والعمل عذاباً مؤلماً لذلك العضو.
وهناك دليل ظاهر آخر هو: ان الديك – مثلاً – يؤثر الدجاجات على نفسه، فيترك ما يلتقطه من حبوب رزقه إليهن دون ان يأكل منها. ويُشاهد انه يقوم بهذه المهمة وهو في غاية الشوق وعزّ الافتخار وذروة اللذة.. فهناك إذن لذةٌ في تلك الخدمة اعظم من لذة الاكل نفسه. وكذا الحال مع الدجاجة – الراعية لأفراخها – فهي تُؤثْرها على نفسها، إذ تدع نفسَها جائعةً في سبيل اشباع الصغار، بل تضحي بنفسها في سبيل الافراخ، قتهاجم الكلب المغير عليها لأجل الحفاظ على الصغار.
ففي الخدمة اذن لذة تفوق كل شيء، حتى انها تفوق مرارة الجوع وترجح على ألم الموت. فالوالدات من الحيوانات تجد منتهى اللذة في حمايتها لصغارها طالما هي صغيرة. ولكن ما إن يكبر الصغير حتى تنتهي مهمة الأم فتذهب اللذة ايضاً. وتبدأ الأم بضرب الذي كانت ترعاه، بل تأخذ الحب منه.. هذه السنة اللإلهية جاريةٌ في الحيوانات الاّ في الانسان إذ تستمر مهمة الام نوعاً ما، لأن شيئاً من الطفولة يظل في الانسان حيث الضعف والعجز يلازمانه طوال حياته، فهو بحاجة الى الشفقة والرأفة كل حين.
وهكذا، تأمل في جميع الذكور من الحيوانات كالديك، وجميع الوالدات منها كالدجاج، وافهم كيف انها لا تقوم بتلك الوظيفة ولا تنجز أي شيء لأجل نفسها ولالكمالها بالذات حيث تفدي نفسها اذا احتاج الامر. بل انها تقوم بتلك المهمة في سبيل المنعم الكريم الذي انعم عليها، وفي سبيل الفاطر الجليل الذي وظفها في تلك الوظيفة فأدرج برحمته الواسعة لذةً ضمن وظيفتها، ومتعةً ضمن خدمتها.