ولأجل هذا كانت الموجودات قاطبة بما فيها الجمادات – من زاوية نظر معينة – تمتثل الأوامر الربانية بشوق كامل، وبنوع من اللذة، عند ادائها لوظائفها الخاصة بها والتي تطلق عليها (الاوامر التكوينية). فكل شيء ابتداءً من النحل والنمل والطير.. وإنتهاء الى الشمس والقمر، كلٌّ منها يسعى بلذة تامة في اداء مهماتها. أي: اللذة كامنة في ثنايا وظائف الموجودات، حيث انها تقوم بها على وجه من الاتقان التام، برغم أنها لا تعقل ما تفعل ولا تدرك نتائج ما تعمل.
فان قلت: ان وجود اللذة في الاحياء ممكنٌ، ولكن كيف يكون الشوقُ واللذةُ موجودين في الجمادات؟
فالجواب: ان الجمادات تطلب شَرَفاَ ومقاماً وكمالاً وجمالاً وانتظاماً، بل تبحث عن كل ذلك وتفتش عنه لأجل إظهار الاسماء الإلهية المتجلية فيها، لا لذاتها، لذا فهي تتنور وتترقى وتعلو اثناء إمتثالها تلك الوظيفة الفطرية، حيث أنها تكون بمثابة مرايا ومعاكس لتجليات اسماء (نور الانوار).
فمثلاً: قطرةٌ من الماء – وقطعة من الزجاج – رغم أنها تافهةٌ وقاتمة في ذاتها، فإذا ما توجهت بقلبها الصافي الى الشمس، تتحول الى نوع من عرشٍ لتلك الشمس، فتلقاك بوجه مضيء!
وكذلك الذرات والموجودات – على غرار هذا المثال – من حيث قيامها بوظيفة مرايا عاكسة لتجليات الاسماء الحسنى لذي الجلال والجمال والكمال المطلق، فانها تسمو وتعلو الى مرتبة من الظهور والجلاء والتنوّر هي غاية في العلو والسمو، إذ ترتفع تلك القطرة وتلك القطعة من حضيض الخمود والظلمة الى ذروة الظهور والتنور. لذا يمكن القول: بأن الموجودات تقوم باداء وظائفها في غاية اللذة والمتعة ما دامت تكتسب بها مرتبة نورانية سامية، واللذة ممكنة ان كانت للموجود حصة من الحياة العامة. وأظهر دليل على ان اللذة كامنة في ثنايا الوظيفة نفسها هو ما يأتي: