وهناك دليل آخر ان الاجرة داخلةٌ في العمل نفسه وهو ان النباتات والاشجار تمتثل اوامر فاطرها الجليل بما يُشعر ان فيه شوقاً ولذة، لأن ما تنشره من روائح طيبة، وما تتزين به من زينة فاخرة تستهوي الانظار، وما تقدمه من تضحيات وفداء حتى الرَمَق الاخير لأجل سنابلها وثمارها.. كل ذلك يعلن لأهل الفطنة:
ان النباتات تجد لذةً فائقة في إمتثالها الاوامر بما يفوق اية لذة اخرى، حتى انها تمحو نفسها وتهلكها لأجل تلك اللذة.. ألا ترى شجرة جوز الهند، وشجرة التين كيف تُطعم ثمرتها لبناً خالصاً تطلبه من خزينة الرحمة الإلهية بلسان حالها وتتسلمه منها وتظل هي لا تُطعم نفسها غير الطين. وشجرة الرمان تسقي ثمرتها شراباً صافياً، وَهبَها لها ربها، وهي ترضى قانعةً بشراب ماءٍ عكر. حتى انك ترى ذلك في الحبوب كذلك، فهي تُظهر شوقاً هائلاً للتسنبل، بمثل اشتياق السجين الى رحب الحياة.
ومن هذا السرّ الجاري في الكائنات المسمى بـ(سُنة الله) ومن هذا الدستور العظيم، يكون العاطل الكسلان الطريح على فراش الراحة أشقى حالاً وأضيق صدراً من الساعي المجدّ، ذلك لأن العاطل يكون شاكياً من عمره، يريد ان يمضي بِسرعة في اللهو والمرح. بينما الساعي المجدّ شاكرٌ لله وحامدٌ له، لا يريد ان يمضي عمره سدىً. لذا اصبح دستوراً عاماً في الحياة: (المستريح العاطل شاك من عمره والساعي المجدّ شاكرٌ). وذهب مثلاً: (الراحةُ مندمجة في الزحمة والزحمة مندمجة في الراحة). نعم اذا ما أُمعن النظر في الجمادات فان السنة الإلهية المذكورة تظهر بوضوح؛ فالجمادات التي لم تتكشف استعداداتُها وباتت ناقصةً من هذه الناحية، تراها تسعى بشدة، وتبذل جهداً عظيماً لكي تنبسط وتنتقل من طور (القوة) الكامنة الى طور (الفعل). وعندها يشاهد عليها ما يشير الى أن في تلك الوظيفة