اللمعات | اللمعة السابعة عشرة | 215
(193-236)

الاولى: قيامه بوظائف تفوق طاقته المحدودة بالآف المرات، مع أنه عاجزٌ عن ذلك، فيشهد بلسان عجزه إذن على وجود ذلك القدير المطلق.
الثانية: توافق حركته مع الدساتير التي تكوّن نظام العالم، وانسجام عمله مع القوانين التي تديم توازن الموجودات، فيشهد – بهذا الانسجام والتوافق – على وجود ذلك العليم القدير.
ذلك لان جماداً كالذرة – او حشرة كالنحل – لا تستطيع ان تعرف النظام والموازنة اللذين هما من المسائل الدقيقة المهمة المسطورة في الكتاب المبين.. إذ اين الذرة والنحلة من قراءة ذلك الكتاب الذي هو في يدِ من يقول: ﴿يوم نطوي السماء كطيّ السِجل للكتب﴾(الانبياء:104) فلا يجرؤ أحد أن يردّ هذه الشهادة للذرة الاّ مَن يتوهم بحماقة متناهية انها تملك عيناً بصيرة تتمكن بها قراءة الحروف الدقيقة لذلك الكتاب المبين؟.
نعم، ان الفاطر الحكيم يدرج دساتيرَ الكتاب المبين واحكامه دَرجاً في غاية الجمال، ويجملها في غاية الاختصار، ضمن لذةٍ خاصةٍ لذلك الشيء، وفي ثنايا حاجةٍ مخصوصة له. فاذا ما عمل الشيء وفق تلك اللذة الخاصة والحاجة المخصوصة، فانه يمتثل – من حيث لا يشعر – احكام ذلك الكتاب المبين.
فمثلاً: ان البعوضة في حين مولدها ومجيئها الى الدنيا تنطلق من بيتها وتهاجم وجه الانسان وتضربه بعصاها الطويلة وخرطومها الدقيق وتفجر به السائل الحيوي، وتمصه مصاً، وهي في هذا الهجوم تُظهر براعة عسكرية فائقة..
تُرى مَن علم هذا المخلوق الصغير الذي اتى حديثاً الى الدنيا وليس له من تجربة سابقة، هذه المهارة البارعة، وهذه الفنون الحربية الدقيقة، وهذا الاتقان في التفجير، فمن اين اكتسب هذه المعرفة؟.. فانا هذا السعيد المسكين اعترف بأني لو كنت بدلاً منه، لما كنت أتعلم تلك

لايوجد صوت