اللمعات | اللمعة السابعة عشرة | 219
(193-236)

القسم الثاني: كالهواء، يحسّ ولكن لا يُرى، ولا يُتخذ ولا يُستمسك، فتوجه لنفحات تلك الرحمة، وتعرّض لها، وقابلها بوجهك وفمك وروحك، فان نظرت الى هذا القسم بيد التردد والريب ومددت اليه يد التنقيد، بدلاً من الانتعاش روحياً، فانه ينطلق، إذ لا يتخذ يدك مسكناً له ولا يرضى بها منزلاً.
القسم الثالث: فهو كالنور، يُرى ولكن لا يحس، ولا يؤخذ ولا يستمسك، فتعرّض له وقابله ببصيرة قلبك ونظر روحك، وتوجه اليه ببصرك، ثم انتظر، فلربما يأتي بذاته ومن نفسه. لان النور لا يؤخذ باليد، ولا يُصاد بالاصابع، بل بنور البصيرة يُصاد. فاذا مددت اليه يداً مادية حريصةً، ووزنته بموازين مادية، فانه يختفي وإن لم ينطفىء، لان نوراً كهذا مثلما انه لا يرضى بالماديّ حبساً، ولا يدخل بالقيد ابداً، فانه لا يرضى بالكثيف مالكاً وسيداً عليه.

المذكرة الحادية عشرة
انظر الى درجة رحمة القرآن الواسعة وشفقته العظيمة على جمهور العوام ومراعاته لبساطة افكارهم ونظرهم غير الثاقب الى امور دقيقة، انظر كيف يكرر ويُكثر الآيات الواضحة المسطورة في جباه السموات والارض، فيقرئهم الحروف الكبيرة التي تُقرأ بكمال السهولة، كخلق السموات والارض وانزل الماء من السماء، واحياء الارض.. وامثالها من الآيات. ولا يوجه الانظار الى الحروف الدقيقة المكتوبة في الحروف الكبيرة الاّ نادراً، كيلا يصعب عليهم الامر.
ثم انظر الى جزالة بيان القرآن وسلاسة اسلوبه وفطريته، كيف يتلو على الانسان ما كتبتْهُ القدرة الإلهية في صحائف الكائنات من آيات حتى كأن القرآن قراءةٌ لما في كتاب الكائنات وانظمتها، وتلاوةٌ لشؤون بارئها المصور وافعاله الحكيمة. فان شئت استمع بقلبٍ شهيد لقوله تعالى:

لايوجد صوت