فالقلب عرشٌ، ولكن لا يستطيع ان يقول: (أنا كالعرش الاعظم). ومن هنا كان السالك في سبيل الفخر والغرور يلتبس عليه الامر فيجعل قلبه الصغير جداً كالذرة مساوياً للعرش الاعظم، ويعتبر مقامه الذي هو كالقطرة كفواً مع مقام الاولياء العظام الذي هو كالبحر.فبدلاً من أن يصرف همه لمعرفة اساس العبادة الذي هو العجز والفقر وادراك تقصيره ونقصه امام بارئه القدير والتضرع امام عتبة ألوهيته سبحانه والسجود عندها بكل ذل وخضوع، وتراه يبدر منه التصنع والتكلف لأجل أن يلائم نفسه ويحافظ عليها مع مستوى تلك المقامات السامية، فيقع فيما لا طائل وراءه من الغرور والانانية والمشاكل العويصة.
الخلاصة:
لقد ورد في الحديث الشريف: (هَلَك الناس الاّ العالمون وهلك العالمون الاّ العاملون وهلك العاملون الاّ المخلصون والمخلصون على خطرٍ عظيم)(1).
أي ان محور النجاة ومدارها الاخلاص، فالفوز به اذن امر في غاية الاهمية لأن ذرة من عمل خالص أفضل عند الله من أطنانٍ من الاعمال المشوبة. فالذي يجعل الانسان يحرز الاخلاص هو تفكره في ان الدافع الى العمل هو الامر الإلهي لا غير، ونتيجته كسب رضاه وحده، ثم عدم تدخله في الشؤون الإلهية.
ان هناك اخلاصاً في كل شيء. حتى أن ذرةً من حُبٍ خالص تفضل على اطنان من الحب الصوري الشكلي. وقد عبر احدهم شعراً عن هذا النوع من الحب:
----------------
(1) في كشف الخفاء (2796): قال الصغاني: وهذا حديث مفترىً ملحون، والصواب في الاعراب العالمين والعاملين والمخلصين ا هـ. واقول فيه: ان السيوطي نقل في النكت عن ابي حيان أن الابدال في الاستثناء الموجب لغةً لبعض العرب، وخرج عليها قوله تعالى: ﴿فشربوا منه الاّ قليلاً﴾ (البقرة:249) ا هـ وعليه فالعالمون وما بعده بدل مما قبله.