اللمعات | اللمعة السابعة عشرة | 227
(193-236)

بالشكر، وتسلم منها النعمة. أي انظر الى الإنعام من خلال النعمة، وتذكر المنعم الحقيقي من خلال الإنعام، فهذا النظر والتذكر شكرٌ. ومن ثم ارجع بصرك – ان شئت – وانظر الى السبب او الوسيلة، وادع له بالخير واثنِ عليه، لورود النعمة على يديه.
ان الذي يوهم عَبَدة الاسباب ويخدعهم هو: اعتبارُ احد الشيئين علةً للآخر عند مجيئهما معاً، او عند وجودهما معاً. وهذا هو الذي يسمى بـ(الاقتران).
وحيث ان عدم وجود شيء ما، يصبح علةً لعدم وجود نعمة، لذا يتوهم المرء ان وجود ذلك الشيء هو علة لوجود تلك النعمة، فيبدأ بتقديم شكره وامتنانه الى ذلك الشيء فيخطيء؛ لأن وجودَ نعمة ما يترتبُ على مقدمات كثيرة وشرائط عديدة، بينما إنعدامُ تلك النعمة يحدث بمجرد انعدام شرط واحد فقط.
مثلاً: ان الذي لا يفتح مجرى الساقية المؤدية الى الحديقة يصبح سبباً وعلةً لجفاف الحديقة ووسيلةً لموتها، وبالتالي الى انعدام النعم التي فيها. ولكن وجود النعم في تلك الحديقة لا يتوقف على عمل ذلك الشخص وحده، بل يتوقف ايضاً على مئاتٍ من الشرائط الاخرى، بل لا تحصل تلك النعم كلها الاّ بالعلة الحقيقية التي هي القدرةُ الربانية والارادة الإلهية.
فافهم من هذا مدى الخطأ في هذه المغالطة،واعلم فداحة خطأ عبدةِ الاسباب. نعم! ان الاقتران شيءٌ والعلة شيء آخر. فالنعمة التي تأتيك وقد اقترنت بنية احسان من أحدهم اليك، علتها الرحمة الإلهية. وليس لذاك الشخص الاّ الاقتران دون العلة.
نعم، لو لم ينو ذلك الشخص تلك النية في الاحسان اليك لما كانت تأتيك تلك النعمة، أي ان عدم نيته كان علةً لعدم مجيء النعمة، ولكن ذلك الميل للاحسان لا يكون علةً لوجود النعمة ابداً، بل ربما يكون مجرد شرطٍ واحد من بين مئات الشروط الاخرى. ولقد التبس الامر

لايوجد صوت