اللمعات | اللمعة الحادية والعشرون | 278
(271-286)

المرابط معه يحرز الاخلاص. اذ تخلصه من دسائس النفس الأمارة، وذلك بتذكر موته وبملاحظة فناء الدنيا وزوالها. هذا ولقد اتخذ المتصوفة واهل الحقيقة العلمية (رابطة الموت) اساساً في منهج سلوكهم، وذلك بما تعلموه من الآية الكريمة:
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ المَوْت﴾(آل عمران:185) ﴿اِنكَ مَيِّتٌ وَاِنهُمْ مَيتُون﴾(الزمر:30) فازالوا بتلك الرابطة توهم البقاء وحلم الابدية الذي يولد طول الامل، حيث افترضوا خيالاً وتصوروا انفسهم امواتاً.. فالان يُغسلون.. والآن يوضعون في القبر.. وحينما يتفكرون بهذه الصورة تتأثر النفس الامارة بهذا التخيل اكثر فتتخلى شيئاً فشيئاً عن آمالها العريضة. فلهذه الرابطة اذن فوائد جمة ومنافع شتى. ويكفي ان الحديث الشريف يرشدنا اليها بقولهy (اَكْثِروُا ذِكْرَ هَاذِمِ اللذَّاتِ)(1). وحيث ان مسلكنا حقيقة علمية وليست طريقة صوفية، فلا نرى انفسنا مضطرين مثلهم الى مباشرة تلك الرابطة بالافتراض والخيال. فضلاً عن ان هذا الاسلوب لايلائم منهج الحقيقة. اذ التفكر بالعقبى ليس هو بجلب المستقبل الى الحاضر خيالاً، بل الذهاب فكراً من الحاضر الى المستقبل، ومشاهدة المستقبل من خلال الحاضر الواقع كما هو الحقيقة، فلا حاجة الى الخيال، ولا يلزم الافتراض، اذ الانسان يمكنه مشاهدة جنازته وهي ثمرة محمولة على شجرة عمره القصير، واذا ما حول نظره قليلاً لا يرى موته وحده، بل يرى ايضاً موت عصره، حتى اذا جال بنظره اكثر يرى موت الدنيا ودمارها، وعندها ينفتح امامه الطريق الى (الاخلاص التام).
--------------

(1) اكثروا ذكر هاذم اللذات يعنى الموت: رواه احمد والترمذي وحسنه. والنسائي من حديث ابي سلمة عن ابي هريرة به مرفوعاً. وصححه ابن حبان والحاكم. واعله الدارقطني بالارتباك. (تمييز الطيب لابن الديبع الشيباني) ومعنى هاذم: قاطع. - المترجم.

لايوجد صوت