اللمعات | اللمعة الحادية والعشرون | 282
(271-286)

حيث انصرف كل منهم الى عمل معين وانجزه بسرعة، لانه عمل جزئي بسيط اولاً ولاكتسابه الخبرة والمهارة فيه ثانياً. وحينما وزعوا حصيلة جهودهم رأوا ان نصيب كل منهم في يوم واحد ثلاثمائة ابرة بدلاً من ثلاث ابر.. فذهبت هذه الحادثة انشودة يترنم بها اهل الصناعة والحرف، الذين يدعون الى توحيد المساعي وتوزيع الاعمال.
فيا اخوتي! ما دامت تحصل مثل هذه الفوائد العظيمة نتيجة الاتحاد والاتفاق في امور دنيوية وفي مواد كثيفة، فكم يكون يا ترى ثواب اعمال اخروية ونورانية! وكم يكون الثواب المنعكس من اعمال الجماعة كلها بالفضل الإلهي في مرآة كل فرد منها! تلك الاعمال التي لا تحتاج الى تجزئة ولا انقسام. فلكم ان تقدروا ذلك الربح العظيم.. فإن مثل هذا الربح العظيم لا يُفوّات بالحسد وعدم الاخلاص..!
(المانع الثاني للاخلاص):
هو اعطاء ما يداعب انانية النفس الامارة بالسوء وما تستشرفه من منزلة ومكانة، تتوجه اليها الانظار، وحب اقبال الناس وطلب توجههم بدافع من حب الشهرة وذياع الصيت الناشىء من التطلع الى الجاه وحبه.. فكما ان هذا داء روحي وبيل، فهو باب الى (الشرك الخفي) الذي هو الرياء والاعجاب بالنفس الماحق للاخلاص.
يا اخواني! لما كان مسلكنا في خدمة القرآن الكريم مبنياً على الحقيقة وعلى الاخوة، وان سر الاخوة هو في افناء الفرد شخصيته في شخصية اخوانه(1) وايثارهم على نفسه، فما ينبغي ان يؤثر فينا مثل هذا الحسد الناجم من حب الجاه، حيث هو مناف كلياً لمسلكنا، اذ مادامت كرامة جميع الاخوان وشرفهم تعود الى كل اخ في الجماعة، فلا يمكن ان تُضحي بتلك المنزلة الرفيعة والكرامة الفائقة والشرف

--------------

(1) نعم، ان السعيد هو مَن يرمي شخصيته، ويذيب انانيته التي هي كقطعة ثلج في الحوض العظيم اللذيذ المترشح من كوثر القرآن الكريم كي يغنم ذلك الحوض. – المؤلف.

لايوجد صوت