مادامت الموجودات موجودةً فعلاً، والعقل يعجز عن تصور اكثر من اربعة طرق للوصول الى حدوث الموجود – كما ذكرنا ذلك في المقدمة – وقد اثبتَ إثباتاً قاطعاً بطلان ثلاثة من تلك الطرق الاربعة، وذلك ببيان ثلاثة محالات ظاهرة جلية في كل منها، فلابد وبالضرورة والبداهة ان يثبت بيقين لاسبيل مطلقاً الى الشك فيه الطريق الرابع، وهو طريق الوحدانية ذلك الطريق الذي تنيره الآية الكريمة: ﴿أفيِ اللهِ شَكٌ فاطرِ السمواتِ والارضِ..﴾(ابراهيم:10).
والتي تدل بداهةً ويقيناً على وجود واجب الوجود، وعلى ألوهيته المهيمنة، وعلى صدور كل شيء من يد قدرته، وعلى ان مقاليد السموات والارض بيده سبحانه وتعالى.
فيا عابد الاسباب!
ايها المسكين المفتون بالطبيعة!
مادامت طبيعة كل شيء مخلوقة كالشيء نفسه، لأن تكونها محدثٌ – غير قديم – وعليها علامة الصنعة والاتقان، وان سبب وجود هذا الشيء الظاهري هو ايضاً مصنوع حادثٌ. ولما كان وجود أي شيء مفتقراً الى وسائل وآلات واجهزة كثيرة جداً..
فلابُدّ من قدير مطلق القدرة ليتخلق تلك الطبيعة في الشيء، ويُوجِد ذلك السبب له، ولابد ان يكون – هذا القدير المطلق القدرة – مستغنياً غناءً مطلقاً، فلا يشرك الوسائط العاجزة في أيجاده للشيء وفي هيمنة ربوبيته عليه.
فحاش لله ان يكون سواه القدير المستغني المتعال، بل هو سبحانه وتعالى يخلق المسبب والسبب معاً من علوه خلقاً مباشراً، ويوجد بينهما سببية ظاهرية وصورية، ويقرن بينهما من خلال ترتيب وتنظيم، جاعلاً من الاسباب والطبيعة ستاراً ليد قدرته الجليلة، وحجاباً لعظمته وكبريائه، ولتبقى عزتهُ منزهةً مقدسة في عليائها،