اللمعات | اللمعة الرابعة والعشرون | 348
(337-354)

ولكن اذا ما سعت تلك الوالدة الى انقاذ ولدها الضعيف من السجن الابدي الذي هو جهنم، ومن الاعدام الابدي الذي هو الموت في الضلالة، بشفقتها الحقيقية الموهوبة دون الاساءة في استعمالها، فان ولدها سيوصل الانوار دوما الى روحها بعد وفاتها، اذ يسجل في صحيفة اعمالها مثل جميع الحسنات التي يعملها الولد. كما سيكون لها ولداً طيبا مباركا ينعمان معا حياة خالدة، شفيعا لها عند الله ما وسعها، لا شاكيا منها ولامدعيا عليها.
نعم! ان اول استاذ الانسان واكثر من يؤثر فيه تعليماً، انما هو والدته.
سأبين بهذه المناسبة هذا المعنى الذي اتحسسه دائماً احساساً قاطعاً في شخصي، وهو:
اقسم بالله ان ارسخ درس اخذته، وكأنه يتجد عليّ، انما هو تلقينات والدتي رحمها الله ودروسها المعنوية، حتى استقرت في اعماق فطرتي واصبحت كالبذور في جسدي، في غضون عمري الذي يناهز الثمانين رغم اني قد اخذت دروساً من ثمانين الف شخص، بل ارى يقينا ان سائر الدروس انما تبنى على تلك البذور.
بمعنى اني اشاهد درس والدتي – رحمها الله – وتلقيناتها لفطرتي وروحي وانا في السنة الاولى من عمري، بذور اساس ضمن الحقائق العظيمة التي اراها الآن وانا في الثمانين من عمري.
مثال ذلك:
ان (الشفقة) التي هي اهم اساس من الاسس الاربعة في مسلكي ومشربي في الحياة.. وان (الرأفة والرحمة) التي هي حقيقة عظمى ايضاً من حقائق رسائل النور، اشاهدهما يقينا بانهما نابعتان من افعال تلك الوالدة الرؤوف ومن احوالها الشفيقة ومن دروسها المعنوية.
نعم! ان الشفقة والحنان الكامنين في الامونة والتي تحملها باخلاص حقيقي وتضحية وفداء قد أسىء استعمالها في الوقت الحاضر، اذ لا تفكر الام بما سينال ولدها في الآخرة من كنوز هي

لايوجد صوت