الجرح، فان العفو والتجاوز عنهم وفق دستور ﴿والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس﴾(آل عمران:134) هو شهامة ونجابة.
وبعد ان تلقيت هذا التنبيه والتحذير الذي كله حق وحقيقة قررت أن أظل صابراً وشاكراً جذلاً في هذه المدرسة اليوسفية الجديدة. بل قررت أن أساعد وأعاون حتى اولئك الذين يسيئون اليّ ويخاصمونني مؤدباً نفسي بتقصير لا ضرر منه.
ثم ان من كان مثلي في الخامسة والسبعين من عمره، وقد انقطعت علاقاته مع الدنيا ولم يبق من احبابه في الدنيا الاّ خمسٌ من كل سبعين شخص، وتقوم سبعون ألف نسخة من رسائل النور بمهمته النورية بكل حرية، وله من الاخوان ومن الورثة مَن يؤدون وظيفة الإيمان بآلاف الالسنة بدلاً من لسان واحد.. فالقبر لمثلي اذاً خير وأفضل مائة مرّة من هذا السجن. فضلاً عن أن هذا السجن هو اكثر نفعاً واكثر راحة بمائة مرة من الحرية المقيدة في الخارج، ومن الحياة تحت تحكم الآخرين وسيطرتهم؛ لان المرء يتحمل مضطراً مع مئات المساجين تحكماً من بعض المسؤولين؛ امثال المدير ورئيس الحراس بحكم وظيفتهم، فيجد سلواناً وإكراماً أخوياً من اصدقاء كثيرين من حوله، بينما يتحمل وحده في الخارج سيطرة مئات الموظفين والمسؤولين.
وكذلك الرأفة الإسلامية والفطرة البشرية تسعيان بالرحمة للشيوخ ولاسيما من هم في هذه الحالة فتبدلان مشقة السجن وعذابه الى رحمة ايضاً.. لاجل كل ذلك فقد رضيت بالسجن..
وحينما قُدمت الى هذه المحكمة الثالثة جلست على كرسي خارج باب المحكمة لما كنت أحسّ من النصب والضيق في الوقوف لشدة ضعفي وشيخوختي ومرضي. وفجأة أتى الحاكم وقال مغاضباً مع إهانة وتحقير: لمَ لا ينتظر هذا واقفاً؟!.