اللمعات | اللمعة الثامنة والعشرون | 489
(465-515)

الترابط والتساند من ألف ومائة وأحد عشر الناشئة من اتحاد أربعة آحاد، ينزلها الى قيمة أربعة فحسب، وادّى الى تنافر القلوب الذي يبدّد قوتنا إزاء هذه الحادثة الثقيلة ويتجعلها أثراً بعد عين.
اورد الشيخ سعدي الشيرازي(1) صاحب كتاب (طلستان) ما مضمونه:
لقد رأيت احد المتقين من أهل القلب في زاوية (التكية) يزاول السير والسلوك، ولكن بعد مضي بضعة ايام شاهدته في المدرسة بين طلاب العلوم الشرعية، فسألته: لِمَ تركت الزاوية التي تفيض الانوار واتيت الى هذه المدرسة؟ قال: هؤلاء النجباء ذوو الهمم العالية يسعون لإنقاذ الآخرين مع انقاذهم لأنفسهم بينما اولئك يسعون لإنقاذ أنفسهم وحدها إن وفقوا اليها. فالنجابة وعلو الهمة لدى هؤلاء والفضيلة والهمة عندهم، ولأجل هذا جئت الى هنا. هكذا سجل الشيخ سعدي خلاصة هذه الحادثة في كتابه (طلستان).
فلئن رُجحت المسائل البسيطة للنحو والصرف التي يقرأها الطلاب مثل: نصر نصراً ونصروا.. على الاوراد التي تُذكر في الزوايا، فكيف برسائل النور الحاوية على الحقائق الإيمانية المقدسة في (آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الآخر). ففي الوقت الذي ترشد رسائل النور الى تلك الحقائق باوضح صورة واكثرها قطعية وثبوتاً حتى لأعتى المعاندين المكابرين من الزنادقة وأشد الفلاسفة تمرداً، وتلزمهم الحجة، كم يكون على خطأ من يترك هذه السبيل او يعطلها او لا يقنع بها ويدخل الزوايا المغلقة دون استئذان من رسائل تبعا لهواه! ويبين في الوقت نفسه مدى كوننا مستحقين لهذه الصفعة، صفعة الرحمة والتأديب.
سعيد النورسي
-----------------------

(1) السعدي (شيخ مصلح الدين) من شعراء الصوفية الكبار، ومن أرقهم تعبيراً، ولد في مدينة (شيراز)، قدم بغداد استكمالاً لدراساته في علوم الدين في المدرسة النظامية، كان من مريدي الشيخ عبدالقادر الكيلاني، قضى ثلاثين سنة من عمره في الاسفار ونظم الشعر، وكتابه (طلستان) مشهور. – المترجم.

لايوجد صوت