اللمعات | اللمعة الثامنة والعشرون | 495
(465-515)

ان رسولي في ادائه مهمة الرسالة وتبليغه العبودية لله، لايريد منكم اجراً ولا اجرة ولاجزاءً ولا إطعاماً.. وإلاّ إن لم يكن المراد هذا المعنى لكان اعلاماً لمعلوم في منتهى البداهة، مما لا ينسجم وبلاغة القرآن المعجزة.

الوجه الثاني:
الانسان مغرم بالرزق كثيراً، ويتوهم ان السعي الى الرزق يمنعه عن العبودية، فلاجل دفع هذا التوهم، ولكي لا يُتخَذ ذريعة لترك العبادة تقول الآية الكريمة ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجنَّ والإنْسَ اِلاّ لِيَعْبُدون﴾ وتحصر الغاية من الخلق في العبودية لله، وان السعي الى الرزق – من حيث الامر الإلهي – عبودية لله ايضاً.
أما احضار الرزق لمخلوقاتي ولأنفسكم واهليكم وحتى رزق حيواناتكم فأنا الكفيل به. فأنتم لم تخلقوا له، فكل ما يخص الرزق والاطعام يخصني أنا وأنا الرزاق ذو القوة المتين.. فلا تحتجوا بهذا فتتركوا العبادة، فانا الذي ارسل رزق مَن يتعلق بكم من عبادي.
ولو لم يكن هذا المعنى هو المراد، لكان من قبيل اعلام المعلوم. لأن رزق الله سبحانه وتعالى واطعامه محال بديهي ومعلوم واضح. وهناك قاعدة مقررة في علم البلاغة تفيد.
ان كان معنى الكلام معلوماً وبديهياً، فلا يكون هذا المعنى مراداً، بل المراد لازمهُ او تابع من توابعه.
فمثلاً: ان قلتَ لاحدهم وهو حافظ للقرآن الكريم: انت حافظ. فهذا الكلام اعلامٌ بما هو معلوم لديه، فاذاً المراد منه هو: انني اعلم انك حافظ للقرآن، أي: اُعلِمهُ بما لايعلمه، وهو علمي أنه حافظ للقرآن.

لايوجد صوت