اللمعات | اللمعة الثامنة والعشرون | 503
(465-515)

والتحيز، ولاتلائم تنزهه وتقدسه سبحانه بحال، فيكون بذلك سبباً لتلقينات باطلة.
نعم! ان من يتكلم عن وحدة الوجود عليه ان يعرج فكراً من الثرى الى الثريا تاركاً الكائنات وراءه ظهريا، محدقاً بنظره الى العرش الاعلى، عاداً الكائنات معدومة في حالة الاستغراق، فيمكنه ان يرى بقوة الإيمان ان كل شىء من الواحد الاحد سبحانه مباشرة. والا فان من يقف وراء الكائنات وينظر اليها ويرى الاسباب أمامه وينظر من الارض، فانه يحتمل ان يغرق في تأثير الاسباب ويقع في مستنقع الطبيعة، بينما الذي يعرج فكراً الى العرض كجلال الدين الرومي(1) يستطيع ان يقول: (افتح سمعك فانك تستطيع أن تسمع من كل أحد – كأنه حاك فطري – ما تسمعه من الحق تعالى). والا فمن لا يستطيع العروج مثله الى هذه المرتبة الرفيعة ولا يرى الموجودات من الفرش الى العرش على صورة مرايا (لتجلياته) ان قلت له:
(اصغ الى كل أحد تسمع منه كلام الله) فانه يبتلى بتصورات باطلة مخالفة للحقيقة كمن يهوي معنىً من العرش الى الفرش.
﴿قل الله ثُمَ ذَرهُم في خَوضِهم يَلعَبون﴾(الانعام:91).
ما للتراب ولرب الارباب.
سبحان من تقدس عن الاشباه ذاته وتنزهت عن مشابهة الامثال صفاته وشهد على ربوبيته آياته جل جلاله ولا اله الا هو.
سعيد النورسي
* * *
----------------

(1) الرومي (مولانا جلال الدين): (604-672هـ) (1207-1273م) عالم بفقه الحنفية والخلاف وانواع العلوم، ثم متصوف صاحب (المثنوي) المشهور بالفارسية المستغني عن التعريف في ستة وعشرين ألف بيت، وصاحب الطريقة المولوية. ولد في بلخ (بفارس) استقر في (قونية) سنة 623هـ عرف بالبراعة في الفقه وغيره من العلوم الإسلامية، فتولى التدريس بقونية في اربع مدارس بعد وفاة ابيه سنة 628هـ، من مؤلفاته: ديوان كبير، فيه ما فيه، مكتوبات. – المترجم.

لايوجد صوت