وَأنَّ آيَةَ ﴿ألا يَعلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبيرُ﴾(الملك:14) تَدُلُّ عَلى أنَّ الوُجودَ في الشَىء يَسْتَلزِمُ بِهِ. وَنُورَ الوُجودِ في الاَشيَاءِ يَستَلزِمُ العِلْمَ نُورَ العِلمِ فيها.
فَنِسبَةُ دَلالَةِ حُسنِ صَنْعَةِ الاِنسانِ عَلى شُعُورِهِ، الى نِسبَةِ دَلالَةِ خِلقَةِ الانسانِ عَلى عِلمِ خالِقِهِ ، كَنِسبَةِ لُمَيعَةِ نُجَيْمَةِ الذبيْبَةِ في الليلَةِ الدَّهمَاءِ إلى شَعشَعةِ الشَمْسِ في نِصفِ النهارِ عَلى وَجهِ الغَبراءِ.
وَكَما أنهُ عَليمٌ بِكُلِّ شَىءٍ فهو مُريْدٌ لكُلِّ شَىءٍ لا يُمْكِنُ أنْ يتحَققَ شَىءٌ بِدُونِ مَشِيئَتِهِ. وَكمَا أنَّ القُدْرَةَ تُؤَثِرُ، وَأنَّ العِلمَ يُمَيزُ؛ كَذَلكَ أنَّ الارادةَ تُخَصصُ، ثُمَّ يتحَققُ وُجودُ الاَشيَاءِ.
فَالشَوَاهِدُ عَلى وُجودِ إرادَتِهِ تعالى وَاختِيَارِهِ سُبحانِهُ بَعَدَدِ كَيفِياتِ الاَشيَاءِ وَاحْوالِهَا وَشُؤوناتِها.
نَعَمْ، فتنْظيمُ المَوجودَاتِ وَتخْصيصُها بِصِفاتِها مِنْ بِينِ الاِمْكَانَاتِ الغَيْرِ المَحْدُودَةِ، وَمِنْ بَينِ الطرُقِ العَقيمَةِ، وَمِنْ بَينِ الاحتِمَالاتِ المُشَوَّشَةِ، وَتحتَ أيدي السيُولِ المُتَشاكِسَةِ، بِهذا النظَامِ الأدَقِّ الاَرَقِّ، وَتوْزِينُهَا بِهذا المِيزانِ الحَساسِ الجَساسِ المَشْهُودَينِ؛ وَ اَنَّ خَلْقَ المَوجُوداتِ المُختَلِفَاتِ المُنتَظَماتِ الحَيويةِ مِنَ البَسائِطِ الجَامِدةِ – كَالانسانِ بِجِهَازاتِهِ مِنَ النطفَةِ، وَالطيْرِ بِجوارِحِهِ مِنَ البَيضَةِ، وَالشجَرِ باعْضَائِهِ المُتنوعَةِ مِنَ النوَاةِ - تَدُلُّ عَلى أنَّ تخَصصَ كُلِّ شَىءٍ وَتعينَهُ بإرادَتِهِ واختِيَارِهِ وَمشِيِئَتِهِ سُبْحَانَهُ. فَكَما أنَّ تَوافُقَ الاشيَاءِ مِنْ جِنْسٍ، وَالافَرادِ مِنْ نَوعٍ في اسَاساتِ الاَعْضاءِ، يَدُلُّ بالضرُرَةِ عَلى أنَّ صانِعَها واحِدٌ أحدٌ؛ كَذلكَ أنَّ تمايُزَها في التشَخصاتِ الحَكيمَةِ المُشتَمِلَةِ عَلى عَلاماتٍ فارِقَةٍ مُنْتَظَمَةٍ، تَدُلُّ عَلى أنَّ ذلكَ الصانعَ الواحِدَ الاَحدَ هُوَ فاعِلٌ مُختَارٌ مُرِيدٌ يَفعَلُ ما يَشآءُ وَيحكُمُ ما يُريدُ جَلَّ جَلاُلهُ.
وَكَما أنَّ ذلِكَ الخَلاّقَ العَليمَ المُريدَ عَليمٌ بَكُلِّ شَىء، وَمُرِيدٌ لِكُلِّ شَىء، لَهُ عِلمٌ مُحيطٌ، وَارادةٌ شَامِلَةٌ، وَاختيارٌ تَامٌّ؛ كّذلكَ لَهُ قُدرَةٌ كاملَةٌ ضَرُوريةٌ