اللمعات | اللمعة التاسعة والعشرون | 563
(516-573)

النكْتةُ الثالِثَةُ (1)
﴿حَسْبُنا الله وَنِعْمَ الوَكيلُ﴾ اِذْ هُوَ الْوَجِبُ الْوُجُودِ الذِي مَا هذِهِ المَوْجُودَاتُ السيالاَتُ اِلاَّ مَظَاهِرُ لِتَجَدُّدِ تجَليَاتِ اِيجَادِهِ وَوُجُودِهِ؛ بِهِ وَبِالاِنْتِسَابِ اِلَيْهِ وَبِمَعْرِفَتِهِ أَنْوَارُ الْوُجُودِ بِلاَ حَدٍّ. وَبِدُونِهِ ظُلُمَاتُ الْعَدَمَاتِ وَآلاَمُ الْفِرَاقاتِ الْغَيْر الْمَحْدُودَاتِ.
وَما هذِهِ الْمَوْجُودَاتُ السيالَةُ اِلاَّ وَهِي مَرَايَا وَهِيَ مُتَجَدِّدَةٌ بِتَبَدُّلِ التعْينَاتِ الاِعْتِبَارِيةِ فِي فَنائِهَا وَزَوَالِهَا وَبقَائِهَا بِسِتةِ وَجُوهٍ:
اَلاَوَّلُ: بَقاءُ مَعانِيهَا الْجَمِيلَةِ وَهُوِياتِهَا الْمِثَالِيةِ.
وَالثانِي: بَقاءُ صُوَرِهَا فِي الاَلْوَاحِ الْمِثَالِيةِ.
والثالثُ: بَقاءُ ثَمَرِاتِها الأخْرَويةِ.
وَالرّابِعُ بَقاءُ تَسْبِيحَاتِهَا الرَّبانِيةِ الْمُتَمَثلَةِ لَهَا اَلتِي هِيَ نَوْعُ وَجُودٍ لَهَا.
وَالخَامِسُ: بَقاؤهَا فِي المَشَاهِدِ العِلمِيةِ وَالمَنَاظِرِ السرْمَدِيةِ.
وَالسادِسُ: بَقاءُ اَرْوَاحِهَا اِنْ كَانَتْ مِنْ ذَوِي الاَرْوَاحِ(2). وَما وَظِيفَتهَا فِي كَيْفِياتِهَا المُتَخَالِفَةِ فِي مَوْتِهَا وَفنائِهَا وَزَوَالِهَا وَعدَمِهَا وَظهُورِهَا وَاِنطِفَائِهَا: اِلاَّ اِظهَارُ المُقْتَضِيَاتِ للاَسْمَاءِ الاِلَهِيةِ، فَمِنْ سرِّ هذِهِ الْوَظِيفَةِ صَارَتِ المَوْجُودَاتُ كَسَيْلٍ فِي غَايَةِ السرْعَةِ تَتمَوَّجُ مَوْتاً وَحيَاةً وَوُجُوداً وَعدَماً. وَمِنْ هذِهِ الوَظِيفَةِ تتظَاهَرُ الفَعالِيةُ الدَّائِمَةُ وَالخَلاَّقِيةُ المًسْتَمِرَّةُ. فلاَبُدَّ لِي وَلِكُلِّ اَحدٍ اَنْ يَقُولَ: ﴿حَسْبُنا الله وَنِعْمَ الوَكيلُ﴾ يَعْنِي؛ حَسْبِي

-----------------

(1) كنت أفكر منذ امد بعيد ان اشير اشارة عابرة مجملة الى مراتب حقيقة هامةٍ؛ تمّ ايضاحها بخمسة رموز وخمس إشارات في (المكتوب الرابع والعشرين) الذي يكشف عن طلسم الفعّالية الدائمة التي هي من أهم معميات الكون والتي تجري بصفة دائمة في خضم الموت والحياة والفناء والزوال. أما الفناء والزوال والعدم فمسائلٍ تعبر عن عناوين لأنواع مختلفة من الوجود، وتثمر كثيراً من انماطها، وأن الشيء الآيل الى الزوال يترك وراءه اضراباً كثيرة من الوجود. وإن موت ذي حياة وزواله يثمر وجودات كثيرة، يتركها وراءه ثم يذهب. نعم إن الشيء الفاني يظل باقياً من جهات متعددة. فالحبة تموت بالبلى والتعفن، ولكنها تترك مكانها سنبلة جامعة لمائة حبة. وهكذا، وبناء على هذا السر فالخوف من الموت والعدم، والتأسف على الزوال ليس أمراً في موضعه. – المؤلف.
(2) كما برهن على بقائها بالقطع والضرورة ببراهين باهرة في (الكلمة التاسعة والعشرين). وان لم يكن من ذوي الارواح، تبقى قوانين حقيقتها وخلقتها ونواميس ماهيتها ودساتير تشكلها. فان ذلك القانون والناموس والدستور روح أمري لذلك الفرد ولنوعه. كما ان شجرة التينة تموت وتنعدم ويبقى روحها الامري الذي هو قوانين تشكله ويدوم في نويته الصغيرة؛ فذلك الروح الامري لا يموت بل يتجدد عليه الصور، بل تدوم ماهيته للحياة. اذ ماهيتها ظل لاسم من الاسماء الحسنى الباقية، فتبقى تلك الماهية تحت شعاع الأسم الباقي، وتبقى هويته ايضاً في كثير من الالواح المثالية. فلا يكون العدم الاّ عنواناً لانتقال وجود زائل الى انواع من وجود دائم. – المؤلف.

لايوجد صوت